إن التسامح مبدأ وخلق إسلامي يظهر في الكثير من العبادات والمعاملات؛ إذ يظهر التسامح في العبادات بالتيمم عند عدم وجود ماء، وبجواز الإفطار في رمضان للمريض والمسافر على أن يقضيه في الوقت المناسب، ويظهر التسامح في المعاملات بجعله في المرتبة العليا والدرجة الفضلى كما تبين الكثير من الآيات، ومنها قوله تعالى: "وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ" [١]، إذ تبين هذه الآية أن الأصل في الجزاء أن يكون بالمثل، لكن العفو والتسامح له أجر عظيم عند الله، ولا يقتصر التسامح في الإسلام على تلك الأمثلة المذكورة، بل يتعداها ليصل إلى كل تفاصيل الإسلام، ولما كان التسامح متغلغلًا في الإسلام إلى ذلك الحد كان لا بد من وجود آثار ونتائج مترتبة عليه، وسنخصص هذا المقال لعرض الآثار والنتائج المترتبة على العفو والتي تنعكس على كل من الفرد والمجتمع. [٢]
آثار التسامح على الفرد
فيما يأتي عرض لأبرز ما ينعكس على الفرد المسلم بفعل التسامح:
1. نيل الأجر والثواب
إن من يبحث عن المواضع التي ذكر فيها العفو والتسامح في القرآن الكريم يجد أنها كانت دائمًا تعرض التسامح على أنه الرتبة العليا، وأن له الأجر غير المعلوم من الله عز وجل، ويظهر ذلك في الكثير من الآيات، ومنها قوله تعالى: "وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ" [٣]، وكما أن مصطلح أولي العزم من الرسل يشير إلى أفضل الرسل وأعظمهم درجة، فإن عزم الأمور تشير إلى المعنى نفسه أيضًا، وعليه فإن الأجر والثواب هو خير ما يرجوه الفرد من التسامح. [٢][٤]
2. كسب المحبة
يميل البشر إلى حب كل هين لين طيب المعشر لطيف المعاملة، وغالبًا ما تكون هذه الصفات في الشخص المتسامح، لذلك عادة ما يكون المتسامح شخصًا محبوبًا ومقدرًا بين الناس؛ يفسح له في المجالس، ويرحب به في التجمعات، وبالطبع إن محبة الناس من الأمور العظيمة والنتائج الجميلة المترتبة على التسامح والتي يلمس الفرد أثرها في حياته.[٤]
3. الشعور بالراحة
عادة ما يتحرى المسلم الحق والصواب في كل عباداته وتعاملاته، وعليه فإنه يكون دائم التفكير في صحة ما فعله ومدى رضى الله عز وجل عنه، ومن هذا المنطلق يفضل المسلم أن يكون متسامحًا على أن يرد الإساءة بمثلها أو يقتص ويأخذ بحقه، لأن ذلك يشعره بالراحة ويبعده عن وسواس الصواب والخطأ، ومن الجدير بالذكر في هذا السياق أن التسامح المقرون بالشعور بالغضب والكره أمر غير محبب أبدًا؛ لأنه لا يحقق الهدف من التسامح، فالتسامح قائم على تصفية النفس، فمن كان يشعر بالغضب والحرقة من التعدي على حقه وإن كان صغيرًا يحق له الاقتصاص لنفسه واسترداد حقه بيده، ففي هذه الحالة يكون العفو ذا أثر سلبي على النفس وهذا غير مطلوب أبدًا. [٤]
آثار التسامح على المجتمع
للتسامح آثار كبيرة تنعكس على المجتمع بأكمله، وفيما يأتي عرض لأهم تلك الآثار:
1. إتاحة الفرصة للتعايش
إن التسامح في المجتمعات يتمثل بتقبل الأفكار المختلفة والأصول المختلفة والمذاهب المختلفة، ولولا هذا التقبل الذي يخلقه التسامح لما تعايش أفراد المجتمع المختلفون مع بعضهم، وإن هذا الأثر الذي يتركه التسامح في المجتمع يكاد يكون الأهم؛ إذ إنه بمنزلة حجر الأساس والقاعدة التي تمهد للحياة في أي مجتمع. [٥]
2. نشر المحبة
بعكس الشدة والغلظة التي تزيد من الحقد والكره في المجتمع، فإن التسامح هو أفضل طريقة لنشر المحبة بين الناس؛ فالشخص المتسامح محبوب ويشعر بمحبة الناس وينقل المحبة لهم بالتسامح، والشخص المسيء يخجل من تسامح الآخرين معه وبالتالي فإنه يعيد النظر في سلوكه ويتبادل الشعور بالحب مع الأشخاص الذين سامحوه على الإساءة. [٢]
3. تحقيق التكافل والتكاتف
إن وجود طرفين في المجتمع أو نوعين بينهما نوع من التعاون والأخذ والرد، يخلق تكافلًا وتكاتفًا بين الأفراد، فالغني والفقير يمثّل تعاونهما مع بعضهما تكافلًا، كذلك الأمر بالنسبة للشخص المتسامح والمسيء، فإن المساحة التي يمنحها المتسامح للمسيء تخلق تكافلًا متمثلًا بفرصة أخرى للمسيء ليعيد حساباته، وتعد تنازلًا من المتسامح عن شيء من حقوقه مقابل أن يساهم ذلك في تعديل سلوك المسيء. [٢]
المراجع
- ↑ سورة الشورى، آية:40
- ^ أ ب ت ث "التسامح مظاهره وآثاره"، الألوكة الشرعية. بتصرّف.
- ↑ سورة الشورى، آية:43
- ^ أ ب ت "فوائد العفو والصفح"، الدرر السنية. بتصرّف.
- ↑ "نحو ثقافة التسامح"، طريق الإسلام. بتصرّف.