شرع الله لبني البشر الزَّواج؛ حفظًا للنَّسل وللمجتمع، وجعل في العلاقات الزَّوجية ما لم يجعله في غيرها من العلاقات من سكينة ومودة ورحمة، كما قال تعالى: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"[١]، كما حثَّ الإسلام على التزاوج والتكاثر، فهي من مقاصد الشريعة، إذ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "النِّكاحُ مِنْ سُنَّتي فمَنْ لمْ يعملْ بسُنَّتي فليسِ مِنِّي"[٢].


وقد جعل الله عز وجل للأسرة دورًا عظيمًا في بناء المجتمع وترابطه وتماسكه، وجعل لجنس آدم من القوامة والطاعة ما ليس في جنس حواء في بناء الأسرة، إذ قال الله تعالى: "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا"[٣]، وإن طاعة الزوجة لزوجها حُدّدت بضوابط معينة، ولم تكن طاعة الزوجة على الإطلاق، بل أيضًا جاء الشرع بحالاتٍ معيَّنة لا تطيع الزَّوجة فيها زوجها، وسنبين في هذا المقال حدود طاعة الزوجة لزوجها.


حدود طاعة الزوج

إنَّ الطَّاعة ليست مطلقة لأحد إلا لله ولرسوله، إنَّما هي مقيدةٌ بعديد من الأمور، وفيما يأتي توضيح لخدود طاعة الزوج[٤]:

  • أن لا يكون في الطَّاعة أمرٌ فيه مخالفةٌ لشرع الله سبحانه وتعالى.
  • أن تكون ضمنَ قدرةِ المرأة، لا بما يعجزها، كما قال الله عز وجل: "لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا"[٥].
  • وجوب الطاعة في أمور النِّكاح والعلاقة الزوجيّة، أمّا خارج علاقة النّكاح، فللمرأة الرّفض والقبول، ولا يتبعها إثم، مع الأخذ بعلاقةِ المودّة والرّحمة، التي بُنيت عليها علاقة الزواج.


حكم طاعة الزوج

اتّفق العلماء على وجوب الطاعة للزوج فيما شرَّعه الله للزَّوجين، وجعل العصمةَ بيد الزَّوج، بل وإن الزوجة التي ترفضَ طاعةَ زوجها فيما شرَّعه الله من مشروعيَّة النكاح تحملُ إثمًا، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "إذا دَعا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إلى فِراشِهِ، فأبَتْ أنْ تَجِيءَ، لَعَنَتْها المَلائِكَةُ حتَّى تُصْبِحَ"[٦].


الحكمة من جعل الزوج قوّامًا على زوجته

الأصل في أيّ حكمٍ إسلاميٍ أن نتَّبعه، ونسلّم له؛ لأنه منبعٌ إلهيٌّ تضمّن حكمًا ومعانيَ كثيرة وإن لم تكن ظاهرة لنا، فلمَّا شرَّع الله العصمة والقوامة بيد الرجل شرَّعها لعددٍ من الأسباب، وهي[٧]:

  • قدرةُ الرّجل على حملِ المسؤولية الأسرية بشكلٍ أفضل من قدرة المرأة.
  • كلّف الله الرّجل بواجبِ الإنفاق على المرأة، فهنا مسؤوليةُ الإنفاق تجعله أقدر على مسؤولية القوامة.
  • المرأة تُثاب ولها الأجر على طاعتها لزوجها، ولا ينقص ذلك من قدرها شيئًا.
  • جعل الله عز وجل الرّجل أقدر من المرأة في أمور القوامة، وجعل الله المرأة أقدر من الرّجل في أمور عديدةٍ، منها: رعايةُ الأطفال، والعناية بالبيت، ولم يكلّفها الدّين بعملٍ أو جهدٍ خارجَ مسؤولية الأسرة.


واجبات الزوج

على الرغم من وجوب طاعة الزوجة لزوجها إلا أن على الزوج واجباتٍ كثيرة تجاه زوجته، ومنها ما يأتي[٨]:

  • رعاية القوامة حقّ رعايةٍ دونَ تعسّف أو إضرار في مصلحة العلاقة الزوجية، فكما أن الله أعطى الرجل حق القوامة، فهي واجبٌ عليه، وتكليفٌ في حمل المسؤولية.
  • الحرص على استمرارية العلاقة الزوجية، وهذا يقع على عاتق الزوجين معًا، فإن كانت العلاقة الزوجية يشوبها الخلاف أو ترك الطاعة، فعلى الرّجل أن يتحلّى بالصّبر، وأن يحاول الإصلاح لتكليفه بالقوام، وأن يحافظ على المسؤولية الزوجية لا أن يفؤط بها؛ لخلافٍ أو كره بين الأنفس لقوله تعالى: "فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً"[٩].
  • نصح الزوج لزوجته في خلافه معها دون غضب، ووعظها دون انفعال، فإن نشزت المرأة عن زوجها، أي: تركت طاعته واستخفّت بحقوقه، فقد أمر الله سبحانه بالتَّدرج بالوعظ، ثم الهجر، ثم الضّرب، لقوله تعالى: "وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا"[١٠].


المراجع

  1. سورة الروم ، آية:21
  2. رواه محمد بن محمد الغزي، في إتقان ما يحسن، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:2/672، حسن.
  3. سورة النساء، آية:34
  4. "حدود طاعة الزوجة لزوجها"، إسلام ويب ، 22/11/2008، اطّلع عليه بتاريخ 8/8/2021. بتصرّف.
  5. سورة البقرة ، آية:286
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري ، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم:5193.
  7. "لماذا تطيع المرأة زوجها "، الإسلام سؤال وجواب ، 30/9/2001، اطّلع عليه بتاريخ 8/8/2021. بتصرّف.
  8. "حكم زوجة لا تطيع زوجها "، طريق الإسلام ، 23/7/2016، اطّلع عليه بتاريخ 8/8/2021. بتصرّف.
  9. سورة النساء، آية:19
  10. سورة النساء ، آية:34