شرَّع الإسلام الزَّواج حفاظًا على الحياة، وإكثارًا للنَّسل، وقد وضع الإسلامُ حدودًا وضوابطَ ليكونَ هذا المقصد العظيم ذا أثرٍ نافعٍ وحميد ينعكس على كل من يطبقه متقيدًا بالضوابط والحدود، لذلك نجدُ أنَّ من يبتعد عن تعاليم الشّريعة وما جاءت به، يعيشُ في شقاءٍ وضيقٍ، ومن مظاهر تنظيم الشّرع لعبادة الزَّواج أنه وضع شروطًا محدّدة، تكون بها هذه العبادة محلَّ قبولٍ عند الله وعند النَّاس، وإنَّ ممّا يقوم عليه عقدُ النّكاح، وتنبني عليه صحّتهُ من عدمها، هو وجود عاقد النِّكاح، لذلك سنعرض في هذا المقال الشروط التي يجب توافرها في عاقد النكاح ليكون العقد صحيحًا.


تعريف عاقد النكاح (المأذون الشرعي)

المأذون في اللغة مصدرُه إذن، وإن كان الظَّاهر أنَّه المأذون صفة، لكنه اسم مفعول محذوف الصّلة، فبعد أن تكون (المأذون له)، تُحذف صِلته لفهم المعنى، فتصبح (المأذون)، أمَّا إضافة كلمة الشَّرعي، فهي لأن من أذن بذلك هو القاضي الشَّرعي، أو من وليَ أمر تطبيق الشَّرع الحنيف، والمأذون الشرعي اصطلاحًا هو الشّخص الذي رُخِّص له عقد النكاح احتسابًا، وهو مندوبٌ للشَّرع الحنيف، منفّذ لقواعد الأصول والأحكام التي وضعها الإسلام، لإتمامِ هذا العقد المقدَّس.[١]


شروط عاقد النكاح

لم يُشرَّع في الدّين الإسلامي الحنيف بوجوبِ إتمام عقد النكاحِ بوجودِ عاقدٍ له، أو ملقّن، أو ما يسمّى بالمأذون؛ ولكن وجب على المسلمين في عقودِ النِّكاح شروطٌ منها وجود وليّ الأمر، والشّهود، وغيرها، ولكن إذا وُجِدَ العاقد للنّكاح، فينبغي أن تتوفّر فيه شروطٌ معيَّنة، وفيما يأتي توضيح لها:[٢]

  • أن يكون العاقدُ بالغًا مكلَّفًا؛ لأنّه مسؤولٌ عن العقد الذي سيعقده، فلا يصحُّ أن يكونَ العاقد للنّكاح قاصرًا.
  • أن يكون عاقلًا راشدًا، يفهم ويدركُ ما هو مُقبلٌ على عقده، ويستطيع تمييزَ وفهمِ وحفظِ ما عقدَ، وهو واع لكلّ ما يحدث.
  • أن يكون مدركًا لصيغة الإيجاب والقبول، والأركان التي اشتُرطَ بها الزَّواج؛ ليتمّها ويتمّ عقد نكاحٍ صحيحٍ.
  • أن يعلمَ العاقد شروطَ عقدِ النكاح ليكون العقدُ صحيحًا موافقًا لشروطِ الزّواج بالشريعة الإسلامية، وإلّا فلن يستطعَ عقدَ زواجٍ صحيحٍ.


وفي الوقت الحاضر، وعلى الرّغم من أن وجودَ عاقدٍ للنّكاح ليس بالأمر الواجب شرعًا، إلّا أنّه يجبُ أن نعلمَ بأنَّ عاقدَ النّكاح يُعيَّنُ من وليّ الأمر، أو من ينوبهُ بصفةٍ رسميةٍ من مؤسسةٍ شرعيةٍ رسميةٍ، فهو أمرٌ تنظيميٌ، تُحفظ فيه حقوق الزّوج والزّوجة في كثيرٍ من الحالات، لذا فعلينا أنْ نُوثّق عقودَ زواجنا بشكلٍ رسميٍ عند مأذونٍ مخوَّلٍ له عقدَ عقودٍ للنّكاح، ثمَّ توثيقها بشكلٍ رسميٍّ في المحاكم الشّرعية عند القاضي الشّرعي.[٣]


أصل مسمّى المأذون الشرعي (عاقد النكاح)

كان العربُ قبل الإسلام كغيرهم من الشعوب، تسودُ بينهم عقودُ المشافهة في زواجهم، ما بين اتّفاق بين وليّ أمر الزوجة والزوج نفسه، أو من يوليه أمره، وقد سادَ عندهم أن من يتولّى إجراءات الزّواج ويسعى لإتمامها مع وليّ الزَّوجة هو الزّوج، ولكن لم تكن مراسم الزّواج لتتمّ عندهم دون حضور مجموعةٍ من الأهل والأصدقاء، مجتمعينَ في شكلٍ من أشكال الفرح، وقد كان الحفل والحضورُ حينها هم عقد النّكاح والشهود، بل واستمر المسلمون على ذلك النمط بعد الإسلام إلى نهاية القرن الثاني وأوائل القرن الثالث الهجري، وبقي هذا الشكل من العقودِ معمولًا به في بعض مجتمعات البدو الرُّحَّل في البلاد العربية إلى وقتٍ قريبٍ أيضًا.[٤]


استمرّت العقود الشفويّة إلى أن قَدِم الفاطميون إلى مصر، واشترط الفاطميون توثيقَ عقودِ الزواج والطلاق، بتدوينٍ نصيٍّ يختصُّ به القاضي الشرعي لتسجيلِ وتدوين هذه العقود، ولكثرةِ انشغال القضاة الشّرعيين في وقتٍ لاحقٍ من تلك الحقبة أصبحَ بإمكانِ القضاة توكيلَ أحد العلماء، ليستطيعَ توثيقَ عقدِ نكاحٍ بأمرٍ مكتوبٍ من القاضي الشرعي؛ ولكن كان ذلك الإذنُ يُخوّله لعقدِ نكاحٍ واحدٍ، لا يستطيعُ عقدَ أيّ عقدٍ آخر غيره، وأُطلق على ذلك الشّخص عرفًا اسم مأذون القاضي الشرعي، وبعد ذلك أصبحَ المأذون يستطيعُ الحصول على رخصةٍ بذلك؛ ليستطيعَ أن يعقدَ عقودَ النّكاح، دون حاجةٍ إلى طلب إذنٍ من القاضي الشرعي، ليصبح اسمه المأذون الشرعي، وهو الاسم المتعارف عليه إلى يومنا هذا.[٤]


إضاءة

اهتمَّت الشريعة الإسلاميّة اهتمامًا بالغًا جدًّا بتنظيم وتسهيل حياة الفرد المسلم، فحملت الشَّريعة في طيَّاتها أمورًا عديدةً كان لها الأثر الكبير في الارتقاء بحياة المسلم مع نفسه أوَّلًا، ومع من حوله من النَّاس في مجتمعه، وقد راعت في ذلك أنَّ الإنسان المسلم لا يكون في حالة السَّعادة إلَّا إذا كوَّن صداقاتٍ وعلاقاتٍ مشروعة، يتقوَّى بها على العبادةِ، ويتقوّى بها على مواجهة ما يُقدَّر له من الأمور الصَّعبة في حياته بمختلف مراحلها، ولعلَّ من أهمّ ما يحتاجه المسلم لمواجهة ذلك، امرأة صالحة يسكنُ إليها، وتكون معه في حزنه قبل فرحه، ليواجها معًا صعوبة الأيَّام وأحوال الدنيا المتقلّبة.


المراجع

  1. أحمد الشعبي ، المأذون الشرعي وواجباته الشرعية والنظامية، صفحة 27. بتصرّف.
  2. "لا يشترط في الزواج أن يتم عن طريق المأذون "، إسلام ويب ، 27/6/2021، اطّلع عليه بتاريخ 9/8/2021. بتصرّف.
  3. "القيام بمهمة المأذون الشرعي في عقد الأنكحة رابط المادة"، طريق الإسلام ، 25/6/2018، اطّلع عليه بتاريخ 9/8/2021. بتصرّف.
  4. ^ أ ب أحمد الشعبي ، المأذون الشرعي وواجباته الشرعية والنظامية، صفحة 17-18.