شروط الشاهدين في عقد الزواج

اشترط أهل العلم توافر عدد من الأمور في شهود عقد الزواج؛ ليكونوا أهلاّ لهذه الشهادة؛ والتي يمكن إجمالها فيما يأتي:


العقل

اتفق الفقهاء على اشتراط العقل في شاهدي الزواج؛ إذ لا تصحّ شهادة المجنون؛ لأنّ الغاية -من الشهادة- لا تتحقق بذلك؛ والتي تتلّخص بالإعلان والإشهار، وإثبات الزواج في حال الجحود أو الإنكار.[١]


البلوغ

اتفق الفقهاء أيضاً على أنّ شهادة الصبيّ لا تصحّ؛ إذ يجب على الشاهدين أن يكونا بالغين؛ لأنّ حضور الصبيان لا يحصل معه تكريم هذا الزواج، ولا إعلانه، والصّبي غير مدركس لخطورة هذه الشهادة وأهميتها، ويمكن جمع هذا الشرط مع سابقه بقول: أن يكون الشاهدان مُكلّفين؛ مما يُفهم من ذلك العقل والبلوغ.[١]


التعدد

ويُقصد بالتعدد أن تكون الشهادة على عقد الزواج بأكثر من شاهد واحد؛ وذلك ما دلّ عليه قوله -صلى الله عليه وسلم-، حين قال: (لا نكاحَ إلا بولِيٍّ، وشاهِدَيْ عَدْلٍ)؛[٢] وقد ذكر الحنفيّة أنّ المزوّج أو ولي الأمر يجوز له أن يكون شاهداً على عقد الزواج مع رجل آخر؛ وهذا في حال كانت الفتاة صغيرة، كما يجوز عندهم للفتاة البالغة الحاضرة للعقد أن تكون مع وليّها ورجل آخر من ضمن الشهود.[١]


الذكورة

اشترط جمهور أهل العلم -باستثناء الحنفيّة- أن يكون الشاهدان رجلين، فلا تصحّ الشهادة عندهم بحضور النساء فقط، ولا بحضور رجلٍ وامرأتين؛ لخطورة الزواج وأهميته؛ بخلاف العقود والمعاملات الماليّة كالدين، وذلك قياساً على عدم ثبوت شهادتها في الحدود، بينما اختار الحنفيّة جواز شهادة المرأة مع رجلين في عقد الزواج؛ قياساً على شهادة الأموال؛ على اعتبار أنّ المرأة أهلٌ للشهادة، وتتحمّل تبعاتها.[٣]


الحرية

اشترط الجمهور -باستثناء الحنابلة- أن يكون الشاهدان حرّين؛ فلا تصحّ شهادة العبيد؛ لأنّ العبيد ليس لهم ولاية على أنفسهم، حتى يكون لهم ولاية على غيرهم؛ والشهادة على عقد الزواج من قبيل الولايات، بينما قبل الحنابلة شهادة العبيد؛ لأنّه لم يرد في منعها دليل لا من الكتاب ولا من السنة ولا من الإجماع.[٣]


العدالة الظاهرة

ويُقصد بالعدالة الاستقامة على أمور الدين، واتّباع تعاليمه؛ وأن يكون ذلك ظاهراً بمعنى أن لا يُجاهر بالمعاصي والذنوب؛ فمن كان عدلاً مستور الحال في الظاهر قٌبلت شهادته؛ لأنّ شهادة أهل الفسق فيه إهانة لعقد الزواج، فلا يُكرم به وهو ما رجّحه جمعٌ من أهل العلم؛ ولكنّ الحنفيّة لم يشترطوا ذلك؛ فتصحّ عندهم شهادة غير العدول.[٤]


الإسلام

ذهب جمهور الفقهاء إلى اشتراط إسلام الشاهدين في حال كان الزوجان مسلمين يقيناً؛ أيّ إنّ إسلامهما ظاهر لا مستوراً، واكتفى الحنفيّة باشتراط هذا الشرط في حال كانت الزوجة مسلمة؛ فلو تزوّج مسلم ذميّة -كتابيّة- جاز أن يكون الشاهدان ذميّين.[٣]


الإبصار

اشترط بعض أهل العلم ضرورة الإبصار عند الشاهدين؛ لأنّ الأعمى غير قادر على التمييز بين العاقدين، ولكنّ بعضهم الآخر لم يشترطوا ذلك؛ فتصحّ عندهم شهادة الأعمى إذا تمكن من سماع العاقدين، وميّز بين صوتهما على وجه لا يُشكّ به.[٥]


سماع كلام العاقدين وفهمه

اشترط أكثر الفقهاء في الشاهدين القدرة على السماع، وفهم الكلام؛ فلا تصحّ شهادة الأصمّين، أو النائمين، أو السكرانين، أو نحو ذلك ممن لا يعي ما يسمع، ولا يُدرك ما فيه؛ كغير العربيّ، أو الذي لا يفهم لغة العاقدين.[٦]


مشروعية الإشهاد على عقد الزواج

شُرع الإشهاد على عقد الزواج لكونه نوعاً من أنواع إعلان قيام رابطة الحياة الزوجيّة بين رجل وامرأة؛ وذلك للتفرقة بين نكاح شرعيّ قائم وفق ما أمر به الله -سبحانه-، ووفق ما بيّنه نبيّه الكريم، وبين نكاح محرم يحدث في الظلام، أو سراً؛ ثم لكون الإشهاد نوعاً من أنواع الحماية وحفظ الحقوق أيضاً؛ سواء أكانت حقوقاً ماديّة ماليّة، أم حقوقاً تتعلق بالنسل ونسبهم.[٧]


ولقد استدلّ الفقهاء على مشروعيّة الإشهاد بالزواج بالحديث الذي أشرنا إليه في عدد الشهود -التعدّد-، وبحديث آخر جاء فيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا بُدِّ في النكاحِ مِن أربعةٍ: الوليِّ، والزوجِ، والشاهدين).[٨][٧]

المراجع

  1. ^ أ ب ت وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، صفحة 6562-6563، جزء 9. بتصرّف.
  2. رواه الطبراني، في المعجم الأوسط، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:117، صححه ابن العربي في عارضة الأحوذي وصححه الألباني.
  3. ^ أ ب ت سيد سابق، فقه السنة، صفحة 58-59، جزء 2. بتصرّف.
  4. وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، صفحة 6564، جزء 9. بتصرّف.
  5. محمد عبد اللطيف قنديل، فقه النكاح والفرائض، صفحة 135. بتصرّف.
  6. عبد الوهاب خلاف، أحكام الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية، صفحة 25. بتصرّف.
  7. ^ أ ب أحمد علي طه ريان، فقه الأسرة، صفحة 127-128. بتصرّف.
  8. رواه الدارقطني، في سنن الدارقطني، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:224، قال ابن حجر في إسناده أبو الخصيب وهو مجهول إشارة إلى ضعفه.