إنّ من الأحكام التشريعيّة التي بيّنتها الشريعة الإسلامية، وأنزلت تفصيلها وبيانها في القرآن الكريم والسنة النبوية: أحكام الميراث، فإن توفّي إنسانٌ ومانت له تركةٌ تركها بعد وفاته؛ لذلك نظّمت الشريعة الطريقة التي يتم فيها تقسيم هذه التركة أو الميراث على الأشخاص الذين تجمعهم روابط وصلات محدَّدةٌ مع المُورِّث؛ وذلك وفق حصص محدَّدةٍ لكلّ من له نصيبٌ من الميراث بحسب رابطة القرابة التي ترتبطه بالميت، وضمن شروطٍ أخرى تتعلق بالتركة نفسها، وقد جاءت شروط الميراث والأحكام المتعلّقة بتركة الميّت بشكل كاملٍ مفصَّلٍ في الشريعة الإسلاميّة؛ تجنُّبًا للنزاع والشقاق بين الروثة عقب وفاة المورِث.


ومن الأدلة الشرعية الواردة في بيان مشروعية الميراث ووجوب أدائه للورثة، وأنّه حقٌّ ثابتٌ لهم قول الله عزّ وجلّ: (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا)،[١] فالآية صريحةٌ في الإشارة إلى حقّ الميراث للورثة، وحُرمت حبس هذا الحق ومنعه إلّا لأسبابٍ وشروط معيَّنةٍ وبشكلٍ مؤقَّتٍ في أحوالٍ؛ بأنّ الوارث كان لا يقدر على رعاية ماله ونصيبه من الميراث بنفسه؛ مثل الصغير غير المميّز أو كان جاهلًا بكيفيّة التصرّف في ماله؛ فإنّ وليّه يحفظه له، كما جاء في قول الله تعالى: (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم).[٢]


فما هي أهم أحكام الميراث في الشرعية الإسلامية؟ وما هي شروط القسمة بين الورثة؟


شرح الميراث بشكل مبسط

يُعرَّف الميراث بأنّه انتقال ملكيّة الشيء بسبب الموت من شخصٍ إلى شخصٍ أو أشخاصٍ آخرين، يرتبطون ببعضهم بالعديد من الروابط، ويسمى الشخص الميّت: المورِّث، والشخص الذين تنتقل له الملكيّة: بالوارث أو الورثة، والمال الذي ينتقل إلى الوارث: التركة أو المَورُوث، ويُحدد الورثة بناءً على أربعةِ أسبابٍ يرتبطون بها بالمورِث قبل وفاته، وآتيًا بيانٌ لهذه الروابط الأربعة.[٣]


النسب

وهي أقوى الروابط التي تجمع الوارث بالمورِّث؛ فيحقّ لمن يرتبط بالمورِّث بنسبٍ على نحو الأبوّة وإن علت مثل الجد أو إن كان أدنى من الأبوين، مثل الإخوة وأبناء الإخوة، والأبناء وإن أدنى من ذلك أيضًا، مثل ابن الابن، وبنت الابن؛ فيكون لهم نصيبٌ محدَّدٌ من الورث أو التركة.[٣]


النكاح

يحق للرجل أن يرث زوجته، وكذلك للزوجة الحقّ في أن ترث زوجها؛ فالزوجيّة هي رابطةٌ تجمع بين شخصين بينهما عقد نكاحٍ، وقد نصّت الشريعة على حقّ كلّ واحدٍ من الزوجين في أن يرث زوجه بعد أن شاركه حياته وعاشره.[٣]


الولاء

وهي الرابطة التي تنشأ عندما يعتق الرجل عبده ويخرجه من العبودية إلى حريّته وسيادة نفسه، والحكمة من ذلك؛ أن ّالرجل حين يُعتق العبد من الرقّ؛ فإنّه يخرجه إلى حياةٍ جديدةٍ كما الحال عندما يُولد الابن إلى حياةٍ جديدةٍ بواسطة أبيه؛ فكما يحقّ للأب أن يرث ابنه، فإنّه يحقّ كذلك للمعتِق أن يرث عتيقه، وقد شبّه النبيّ -عليه الصلاة والسلام- رابطة العتق برابطة النسب، وتجدر الإشارة هنا أنّ العبد لا يرث من مُعتِقه شيئًا، إنّما يرث المعتق فقط، بخلاف علاقة النسب التي يرث بها الرجل أباه، مثل ما يرث الأب من ابنه.[٣]


الإسلام

وهي الرابطة العامة التي تجمع المسلمين فيما بينهم، فالمسلمون مثل الجسد الواحد، وللمسلم على المسلم حقوقٌ وواجباتٌ؛ فإن لم يكن للميّت وارثٌ بحكم أيّ رابطةٍ خاصَّةٍ مثل النسب أو الزواج أو الولاء؛ فتعود تركته لبيت مال المسلمين؛ لما في ذلك من مصلحةٍ للمسلمين عامة.


أنواع الورثة

فسّمت الشريعة الإسلاميّة الإرث أو التركة التي يتركها الميت إلى نوعين، هما: الإرث بالفرض والإرث بالتعصيب، فأمّا أصحاب الفروض؛ فهم من حُدِّد مقدار نصيبهم من الميراث في الأدلة الشرعيّة من الكتاب أو السنّة، أمّا أصحاب العصبة؛ فهم من يرثون من المورِّث دون تحديد نسبةٍ أو حصّةٍ ثابتةٍ لهم مثل أصحاب الفروض، أمّا أنواع الورثة فهم أربعة، وآتيًا ذكرهم:[٤]

  1. من يرث بالفرض فقط: أي له إرثٌ بنسبةٍ محدَّدةٍ وفق الأدلة الشرعيّة، وهم: الأم، الأخ لأم، الأخت لأم، الجدة من جهة الأم، الجدة من جهة الأب، الزوج، الزوجة.[٤]
  2. من يرث بالعصبة فقط: أي لا يُحدد مقدار حقهم من التركة قبل التوزيع، وهم الابن، وابن الابن، والأخ الشقيق، والأخ لأب، وابن الأخ الشقيق وابن الأخ لأب، والعم الشقيق والعم لأب، وابن العم الشقيق وابن العم لأب، والمُعتِق.[٤]
  3. من يرث بالتعصيب أو بالفرض أو يجمع بينهما: وهم الأب والجد فيرثان بالعصبة إن كان لهما فرع وارث، ويرثان بالفرض إن لم يكن لهما فرع وارث، ويجمعان بينهما إن كان اشترك أحدهما في التركة مع إناث فقط.[٤]
  4. من يرث بالتعصيب أو بالفرض ولا يجمع بينهما: وهم البنت، وبنت الابن، والأخت الشقيقة، والأخت لأب فإما يرثنّ بالتعصيب إن اشترك معهن عاصب مثل الابن، ويرثن بالفرض إن لم يكن هناك عاصبٌ.[٤]


شروط توزيع الإرث

لا يحقّ للورثة باختلاف أنواعهم تقاسم التركة إلا بشروطٍ، وهي:[٥]

  • تحقّق موت المورِّث إمّا شهادةً أو حكمًا.
  • تحقّق حياة الوارث بعد وفاة المورِّث؛ فإنّ تحقّق هذا الشرط والذي يسبقه، أصبح من حقّ الورثة تقاسم التركة بعد القيام بحقوق التركة الآتي ذكرها:[٥]
  • دفع التكاليف الخاصة بتجهيز الميت ودفنه.
  • سداد جميع الديون عن الميت، فلا تركة لوارث مع وجود دينٍ على المورِّث.
  • تنفيذ أيّ وصيِّةٍ مشروعة أوصى بها الميّت قبل موته، على ألّا يزيد مقدار الوصيّة عن ثلث التركة، وقد نبّهت الآيات الكريمة التي أتت على ذكر الميراث من سورة النساء على أنّ الإرث لا يكون إلا بعد سداد الدين وأداء الوصيّة، ومن ذلك قول الله تعالى: (مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ ۚ وَصِيَّةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ).[٦]


موانع الإرث

يُمنع الوارث من نصيبه في الإرث حال تحقّق أمرٍ من الأمور الآتية:[٥]

  1. اختلاف الدين؛ فلا يصح أن يرث المسلم الكافر أو أن يرث الكافر المسلم.
  2. القتل؛ فالقاتل لا يحق له أن يرث من قتله ومن العلماء من نصّ على حرمة القاتل من الميراث سواءً كان قتله لمورِّثه عمدًا أو خطًأ من غير عمد، والحكمة من ذلك حفظ المجتمع من الانزلاق نحو بعض الجرائم؛ كأن يقتل الرجل رجلاً آخر يحق له الإرث منه بقصد أن تعجيل تحصيل الإرث، ويدّعي أنّ القتل كان خطًأ بغير عمدٍ، فيما ذهب بعض العلماء إلى أنّ القتل الخطأ لا يمنع الميراث.


المراجع

  1. سورة النساء، آية:7-8
  2. سورة النساء، آية:6
  3. ^ أ ب ت ث مجموعة من المؤلفين ، كتاب الفقه المنهجي على منهج الإمام الشافعي، صفحة 75-77، جزء 5. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت ث ج التويجري، محمد بن إبراهيم، كتاب مختصر الفقه الإسلامي في ضوء القرآن والسنة، صفحة 884. بتصرّف.
  5. ^ أ ب ت "أحكام المواريث"، الألوكة الشرعية . بتصرّف.
  6. سورة النساء، آية:12