حقوق الآباء في مال أبنائهم

أوصى الله بالوالدين خيراً وإحساناً، وجعل لهما على أبنائهما حقوقاً معنوية وأخرى ماديّة، وهذا المقال يركّز على أحد حقوق الوالدين المادية، ألا وهي حقّهما في أموال أبنائهما، وتوضيح ذلك فيما يأتي:


دليل مشروعية حق الآباء في مال الأبناء

إنّ حقّ الوالدين على الأبناء من أعظم الحقوق بعد حقّ الله -عز وجل-، وحقّهما في مال أبنائهما أحد هذه الحقوق، وخاصَّةً إذا كانا في فقرٍ وحاجة وكان أولادهما في غِنى أو اكتفاء، ويدلّ على حقّهما في مال أولادهما قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّه مِن أطيَبِ ما أكَلَ الرَّجُلُ مِن كَسْبِه، وولَدُه مِن كَسْبِه).[١]


وهذا الحديث أصلٌ في بيان حقّ الآباء في مال أبنائهم بالمعروف، وسمّى الولد كسباً؛ لأنّ الوالد سعى في تحصيله وطلبه، ويدلّ الحديث على حقّ الوالدين في الأخذ من مال أولادهما بالمعروف إن كانوا صِغاراً، وعلى الابن أن يسعى لكفالة والديه مادياً إن كان كبيراً وقادراً على ذلك، ولا فرق بين الأم والأب في هذا الحق.[٢]


وحصول الوالدين على هذا المال يكون بعزّة نفسٍ وكرامة دون تمنُّنٍ من الأبناء ولا أذى، لأنّ تمكينهما من هذا المال عند حاجتهما إليه واجبٌ على الأبناء وحقٌ للآباء، فقد جاء رجلٌ إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- وقال له: (يا رسولَ اللَّهِ إنَّ لي مالًا وولدًا، وإنَّ أبي يريدُ أن يجتاحَ مالي، فقالَ: أنتَ ومالُكَ لأبيكَ)،[٣] وقال -عليه الصلاة والسلام-: (أنتَ ومالُكَ لوالدِكَ؛ إنَّ أولادَكم مِن أطيَبِ كَسْبِكم؛ فكُلُوا مِن كَسْبِ أولادِكم).[٤][٥]


بعض حقوق الآباء في مال أبنائهم

نذكر فيما يأتي أبرز حقوق الوالدين على أبنائهما في أموالهم:[٦]

  • إذا احتاج الوالدان للدواء أو الطعام والشراب وجب على أبنائهما القادرين معالجتهما وسدّ حاجتهما من الطعام والشراب.
  • إذا احتاج الوالدان إلى الكسوة وجب على الأبناء القادرين كسوتهما.
  • إذا احتاج الوالدان إلى الخدمة أو المال فعلى الأبناء القادرين أن يوفّروا ذلك لهما دون تفضُّلٍ ولا مِنّة.


ضوابط جواز أخذ الوالدين من مال الأبناء

إنّ الشرع الإسلامي الحنيف شرعٌ عادل، فلم يأمر بتعظيم حقّ الوالدين بمقابل إباحة الإضرار بالأبناء، بل راعى حقوق الجميع ومصالحهم، وهناك عدّة ضوابط متعلّقة بجواز أخذ الآباء من أموال أبنائهم جمعها أهل العلم، ونذكرها فيما يأتي:[٧]

  • ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ أخذ الآباء من أموال أبنائهم مشروطٌ بالحاجة، وليس لهما أن يأخذوا أكثر من حاجتهم، للأحاديث العامة في هذا الشّأن، كقول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ دِمَاءَكُمْ وأَمْوَالَكُمْ وأَعْرَاضَكُمْ علَيْكُم حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَومِكُمْ هذا، في بَلَدِكُمْ هذا، في شَهْرِكُمْ هذا).[٨]
  • أن لا يضرّ الأب بابنه عند الأخذ من ماله، ولا يجحف به، ولا يأخذ ما تعلّقت به نفس ابنه.
  • أن لا يأخذ الآباء من مال ابنهم ويعطونه لآخر.
  • أن لا يتصرّف الآباء في مال أبنائهم بالتصدّق منه والهبة دون علمهم وإذنهم.[٩]

المراجع

  1. رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:3528، صححه الألباني.
  2. "شرح حديث وولده من كسبه"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 30/1/2023. بتصرّف.
  3. رواه ابن ماجه، في سنن ابن ماجه، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم:1869، صححه الألباني.
  4. رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن عبدالله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:3530، قال الألباني حسن صحيح.
  5. "حق الآباء في أموال الأبناء"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 30/1/2023. بتصرّف.
  6. حسين بن محمد المهدي، صيد الأفكار في الأدب والأخلاق والحكم والأمثال، صفحة 150، جزء 2. بتصرّف.
  7. ابن قدامة، المغني لابن قدامة، صفحة 62، جزء 6. بتصرّف.
  8. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم:1739، صحيح.
  9. عبد الرحمن بن قاسم، الدرر السنية في الأجوبة النجدية، صفحة 98، جزء 7. بتصرّف.