إنّ المسلم ينبغي عليه أن يكون حريصًا على معرفة الأحكام الشرعية المتعلقة بما يصدر عنه من أقوال وأفعال؛ وذلك لأن الإنسان المسلم يسعى إلى رضا الله تعالى، ويحرص على أن تكون تصرفاته وأقواله وفق الشريعة الإسلامية، فالله تعالى مطلع على جميع ما يصدر عن عباده، ومن الأقوال التي تصدر عن المسلم النذر؛ إذ يرغب البعض بإلزام أنفسهم بنذر غير معلق على حدوث شيء، أو معلق بحدوث له نعمة أو فرج معين كان ينتظره؛ رغبة في التعبير عن الشكر لله تعالى على النعمة، فليزم نفسه بعبادة أو طاعة غير واجبة عليه؛ وجاء في قوله تعالى عن النذر: "وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ"،[١] وقد امتدح الله تعالى الذين يلتزمون بالوفاء بالنّذر في سياق وصفه للأبرار من عباده بقوله: "يُوفُونَ بِالنَّذْرِ"،[٢] وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَن نَذَرَ أنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، ومَن نَذَرَ أنْ يَعْصِيَهُ فلا يَعْصِهِ"،[٣] والأصل في الإنسان المسلم الصادق أن يلتزم بما ألزم نفسه به إذا لم يكن معصية، وللنّذر أحكام وشروط لا بد من بيانها في هذا المقال.
تعريف النّذر
النّذر في اللغة يعني النّحب وجمعه نذور، وهو ما ينذره الإنسان فيجعله على نفسه نحبًا واجبًا، أي رتّب على نفسه شيئًا واجبًا من عبادة أو صدقة أو غير ذلك،[٤] أما في الاصطلاح الشرعي فيعني إلزام النفس بطاعة غير واجبة في الشرع، ويكون هذا الإلزام إما مطلقًا وإما معلقًا بأمر ما،[٥] وأركانه الناذر والمنذور وصيغة النذر،[٦] ومن أمثلة صيغة النذر أن يقول أحد: (لله علي أن أفعل كذا أو علي نذر كذا)، والمثال التطبيقي على ذلك: (لله علي صوم شهر إن شفاني الله تعالى من المرض).[٧]
حكم النّذر
اختلف الفقهاء في حكم النّذر، وكان هذا الاختلاف على أقوال؛ هو مشروع ونوع من القربة إلا أنه من الأفضل للإنسان إذا أراد أن يتقرب إلى الله تعالى بطاعة أو قربة أن يتقرب إليه بها من غير أن يلزم نفسه بها من خلال النذر؛ لأنه قد لا يستطيع الوفاء بالنذر،[٨] أما تفصيل حكمه فعند الحنفية النّذر مباح في الطاعات سواء أكان معلقًا أم مطلقًا، والمالكية عندهم النّذر المطلق مندوب، أما المكرر مكروه، وأما المعلق بين المكروه والمباح والإباحة هي الراجح عندهم، أما الشافعية والحنابلة فالنذر عندهم مكروه تنزيهًا لا تحريمًا،[٩] فالأصل أنه يصح، ويجب الوفاء بالنذر إذا كان في طاعة، أما في حال كونه في معصية فلا يجب الوفاء به، وفي وجوب الكفارة في هذه الحال خلاف عند الفقهاء، وكفارة النذر هي ككفارة اليمين، وتكون الكفارة واجبة في حال كان معصية أو في حال عدم الوفاء بالنذر.[١٠]
شروط النذر
فيما يأتي تفصيل لشروط النذر التي يكون بها النذر صحيحًا:[١١]
- أن يكون الناذر عاقلًا بالغًا، فلا يصح النذر من المجنون، ولا يصح كذلك من الصبي دون البلوغ.
- أن يكون الناذر مسلمًا؛ لأن الأصل في النذر التقرب من الله بإحدى الطاعات، وبالتالي يكون الإسلام شرطًا.
- أن يكون الناذر بكامل إرادته عند النذر، فلا يجب النذر على مكره.
- ألا يكون المنذور واجبًا، فلا يكون النذر في أمر واجب أصلًا على الإنسان كأداء صلاة الظهر الفريضة، ولكن يصلح أن يكون في عبادة غير واجبة على الإنسان كقيام الليل مثلًا.
- ألا يكون المنذور مستحيلًا، كأن يلزم نفسه بأمر يستحيل حدوثه عقلًا مثل صوم يوم أمس.
- أن يتلفظ بالنذر فلا يكفي مجرد النية.
أنواع النّذر
للنّذر عدة أنواع، نذكر أبرزها فيما يأتي:[١٢]
- النذر المطلق: وهو أن يقول لله علي نذر، دون أن يحدده أو يسميه، وتترتب عليه كفارة يمين في هذه الحالة لعدم التسمية.
- نذر اللجاج أو نذر الغضب: وهو تعليق النذر بشرط يقصد المنع منه مثل: إن لم يكن الخبر صحيحًا فعلي حج، وهنا يخير الناذر بين فعله أو كفارة يمين.
- النذر المباح: وهو يكون في أمر مباح، كأن ينذر على نفيه أن يلبس ثوبًا معينًا، وهنا يخير بين الفعل أو كفارة اليمين.
- نذر المعصية: كمن نذر شرب الخمر، وهنا لا يجب الوفاء به، وعليه كفارة يمين، وبعض الفقهاء قالوا إن نذر المعصية لا ينعقد ولا كفارة عليه.
- نذر الطاعة: ويكون على أمر طاعة كالصيام والصلاة، وقد يكون معلقًا على شرط، مثل لله علي إذا رزقني ولدًا أن أصوم شهرًا، فإذا وجد الشرط لزمه الوفاء به، أو قد يكون مطلقًا أي غير معلق على شرط، مثل لله علي صوم شهر، فيلزمه الوفاء به في هذه الحالة.
المراجع
- ↑ سورة البقرة ، آية:270
- ↑ سورة الإنسان ، آية:7
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة ، الصفحة أو الرقم:6696.
- ↑ ابن منظور ، لسان العرب، صفحة 200-201. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، كتاب الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي، صفحة 21. بتصرّف.
- ↑ عبدالله الطيار، الفقه الميسر، صفحة 49. بتصرّف.
- ↑ ناصر الحلواني (1/9/2010)، "النّذر أنواعه وأحكامه "، الألوكة الشرعية ، اطّلع عليه بتاريخ 28/9/2021. بتصرّف.
- ↑
- ↑ وهبة الزحيلي ، الفقه الإسلامي وأدلته، صفحة 2559. بتصرّف.
- ↑ الصنعاني ، سبل السلام، صفحة 559. بتصرّف.
- ↑
- ↑ صالح الفوزان ، الملخص الفقهي، صفحة 616-614. بتصرّف.