اهتم الإسلام ببر الوالدين وطاعتهما اهتمامًا بالغًا، لدرجة أن الله عز وجل ربط في إحدى الآيات بين عبادته والإحسان إلى الوالدين: "وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚإِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا" [١]، وإن هذا الربط والتتابع يدل على المكانة العظيمة للوالدين، فهما السبب بوجود الإنسان بعد الله عز وجل، وعند الحديث عن بر الوالدين وطاعتهما دائمًا ما تُعرَض الطرق والأوجه التي يمكن برهما بها، ولكن القليل فقط يدرك الآثار المترتبة على بر الوالدين وكيف ينعكس البر إيجابًا على حياة الإنسان بجميع جوانبها، لذلك ارتأينا أن نخصص هذا المقال لمناقشة آثار طاعة الوالدين وبرهما.


1. البركة في العمر والسعة في الرزق

في بعض الأحيان قد نتأمل حياة أحد الأشخاص المقربين منا ونتعجب من توفيق الله له، وعند الغوص في الأسباب غالبًا ما نجده بارًّا بوالديه، ليكون البر هو سر توفيقه، وتصديقًا لذلك ما رواه أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن سَرَّهُ أنْ يُبْسَطَ عليه رِزْقُهُ، أوْ يُنْسَأَ في أثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ" [٢]، وإن أقرب الرحم وأولاهم بالصلة هما الوالدان، كما أن البركة المترتبة على صلتهما وبرهما وطاعتهما بالمعروف والاستطاعة لا شك في أنها أكبر وأعظم أثرًا. [٣][٤]


2. انشراح الصدر

إن القلوب تنشرح بالطاعات، وبر الوالدين يعد شكلًا من أشكال الطاعات، لذلك من النادر أن نلقى شخصًا بارًّا بوالديه يشكو من ضيق العيش والكآبة، لأن بركة البر تمنحه انشراحًا في الصدر وزيادة في السعادة، لذلك فإننا ننصح من يشعر بالحزن والكآبة ببر والديه والسؤال عنهما والسعي وراء حاجاتهما، علّ ذلك يخفف عنه. [٥]


3. الدعاء المستجاب

وردت في الأثر الكثير من القصص التي تتناول استجابة الدعوة للأشخاص الذين يحرصون على بر والديهم، ولا عجب في ذلك، فإذا كانت دعوة الوالدين لابنهما وإن لم يكن بارًّا مجابة، فكيف سيكون أثر دعوتهما لابنهما البار، لا شك في أن ذلك سينعكس على دعاء الابن ليصبح مستجابًا، لذلك قلما نجد شخصًا بارًّا بواليده غير مستجاب الدعوة، خصوصًا وأن البر من الطاعات التي حثنا الله عز وجل عليها، فالعبد يتقرب إلى الله ببر والديه ويجازيه الله عز وجل بإجابة الدعاء. [٦]


4. قبول العمل

إن أعظم ثمرة يمكن أن يجنيها المسلم من بر والديه هو قبول العمل، فلا يوجد أعظم من أن يضمن المسلم أن يتقبل الله أعماله، وقد ضمن الله عز وجل للبار بوالديه أن عمله سيكون مقبولًا، وذلك في سورة الأحقاف في الآيتين 15 و16؛ ففي الآية 15 قال عز وجل: "وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ" [٧]، وفي هذه الآية بيان لأهمية الإحسان إلى الوالدين بوصية من الله عز وجل، وبعد بيان ذلك وضح الله عز وجل جزاء المحسن إلى والديه في الآية التي تليها: "أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ" [٨]، وفي ذلك وعد من الله بقبول الأعمال الصالحة للبار بوالديه والتجاوز عن سيئاتهم. [٩]


المراجع

  1. سورة الإسراء، آية:23
  2. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:2557.
  3. إيمانية/ثمرات بر الوالدين/i15205&p34 "ثمرات بر الوالدين"، نداء الإيمان. بتصرّف.
  4. "فضائل بر الوالدين"، الألوكة الشرعية. بتصرّف.
  5. محمد المختار الشنقيطي، دروس للشيخ محمد المختار الشنقيطي، صفحة 41-6. بتصرّف.
  6. محمد المختار الشنقيطي، دروس للشيخ محمد المختار الشنقيطي، صفحة 41-7. بتصرّف.
  7. سورة الأحقاف، آية:15
  8. سورة الأحقاف، آية:16
  9. محمد المختار الشنقيطي، دروس للشيخ محمد المختار الشنقيطي، صفحة 41-8. بتصرّف.