سنَّ الله الزواج لخلقه وأحله لبني آدم وجعل في طيات العلاقة من المودة والرحمة ما لم يجعله في سائر العلاقات الأخرى، ويظهر ذلك جليًّا في قوله تعالى: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"،[١] وإن المتأمل لعلاقة الزواج يجد أنها علاقة جبلت على المودة والرحمة والمحبة والتفاهم، فقد خلق الله آدم وخلق من آدم حواء وأباح لهما الزواج، لذلك كان الزواج سنة كونية ونبوية، وقد حثتنا الشريعة الإسلامية عليه في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تزوجوا الودودَ الولودَ فإني مكاثرٌ بكم الأممَ يومَ القيامةِ"،[٢] وفي هذا الحديث إشارة إلى أهمية الزواج وضرورته للنفس البشرية وأثره في حفظها وإعفافها عن اتباع الشهوات وما فيه سخط من الله.[٣]


ما معنى مودة ورحمة؟

لم يذكر الله عز وجل المودة والرحمة في أي من علاقات الإنسان مع بني جنسه إلا في العلاقة الزوجية، فقال الله عز وجل أنها هي أساس علاقة الزواج، كيف لا وقد قال عز وجل أنه قد خلق أزواج البشر من أنفسهم، ويظهر ذلك في الآية الكريمة: "سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ"،[٤] وقيل إن المودة هي المحبة، والرحمة هي الشفقة كما فسرها الصحابي ابن عباس؛ فقد قال إن المودة حب الرجل لامرأته، والرحمة هي خشيته عليها من أن يصيبها بمكروه، وقيل في تفسير آخر إن المودة هي جماع الرجل لزوجته، أما الرحمة فهو الولد أي النسل الذي يخرج من علاقة الزواج، وفي ذلك سكينة للزوجين كما وصفها الله عز وجل فقال: "لتسكنوا إليها"،[١] إذ إن كلًّا من الزوجين يمثل سكنًا للآخر واحتواءً له، وفي الزواج حفظ للشهوة من وقوعها في المحرمات، فقد خلق الله الشهوة في الإنسان وجعل الزواج مشروعًا لتصريف تلك الشهوة وحمايتها من أن تكون في ما هو محرم، لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما مِن رَجُلٍ يَدْعُو امْرَأَتَهُ إلى فِرَاشِهَا، فَتَأْبَى عليه، إِلَّا كانَ الذي في السَّمَاءِ سَاخِطًا عَلَيْهَا حتَّى يَرْضَى عَنْهَا"،[٥] وإن العلة في ذلك هي أن الامتناع عن العلاقة الزوجية دون سبب يعد أمرًا منافيًا للعلة من الزواج.


أهمية المودة والرحمة

إن العلاقات الزوجية القائمة على المودة والرحمة هي صورة الزواج والأسرة التي رسمتها الشريعة الإسلامية ودعت إلى تطبيقها، وخير مثال على ذلك هو معاملة النبي صلى الله عليه وسلم لزوجاته، وفي ذلك دروس وعبر كثيرة، لذلك ينبغي على الزوج صاحب القوامة أن يكون عطوفًا وحنونًا على زوجته، وأن تسعى الزوجة إلى تحقيق التوافق مع زوجها، لتكون علاقتهما مبنية على المحبة والتفاهم، إذ إن العلاقة الزوجية علاقة طويلة ولها خصوصية غير موجودة في غيرها من العلاقات، وإن لم يتخللها التفاهم والمحبة فإنها لا تحقق الهدف منها، وقد يصل الأمر إلى الطلاق، لذلك تقع على الزوجين مسؤولية المحافظة على العلاقة بما يضمن استمرارها وتحقيق الهدف الأساسي منها، المتمثل بتحقيق السكن للزوجين وتوفير الرعاية للأبناء وتربيتهم على الأسس الصحيحة، وهذا هو مقصد الشريعة الإسلامية.[٦]


المراجع

  1. ^ أ ب سورة الروم، آية:21
  2. رواه ابن حبان، في المقاصد الحسنة، عن أنس بن مالك ، الصفحة أو الرقم:198.
  3. "الزواج... نعمة"، الألوكة الشرعية. بتصرّف.
  4. سورة يس، آية:36
  5. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:1436.
  6. "حتى يخلد الحب بين الزوجين "، طريق الاسلام، 22/10/2013، اطّلع عليه بتاريخ 30/8/2021.