النكاحُ عقدُ بين رجل وامرأة، يطلبُ فيهِ الرّجل يدَ مرأةٍ من وليّ أمرها، بعد السؤال عنها، والتّأكد من أنّها هي المرأة المناسبة له كزوجةٍ صالحةٍ، تصونهُ وتصونُ بيته، وتربّي أولاده على وجهٍ يرضي الله سبحانه تعالى، ويحقُّ للمرأة قبل زواجها من الرجل أيضًا، التّأكد منهُ ومن حسن خلقه وصفاته، حتى يكونَ زواجهما عن تراضٍ وقبول.
ولأنّه من الصّعب جدًّا على الرجل أو المرأة أن يكتشف بعضهما الآخر بنظرةٍ شرعيّة، أو أن يكتفيا بالسؤالِ عن بعضهما وحسب، وليتأكّد كلٌّ منهما من حقيقة الآخر على وجه الدقة، شرَعَ الله سبحانه وتعالى الخطبة بينهما؛ فالخطبة فرصةٌ للزَّوجين ليتعرّف كلُّ واحدٍ منهما على الآخر بشكلٍ فعليٍّ حقيقيٍّ، وليتسنّى لكلّ واحدٍ منهما أن يتراجع عن الزواجِ من غيرِ مضرّة للنساء أو للرجال المقبلين على الزواج.
تعريف خطبة النكاح
تعرف الخِطبة شرعًا بأنها طلب الرّجل المرأة للزّواج، وقد أجمع أهل العلم على مشروعية الخطبة لمن أراد الزواج، قال الله تعالى: "وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ ۚ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَن تَقُولُوا قَوْلًا مَّعْرُوفًا ۚ وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ".[١][٢]
إجراءات الخطبة الشرعية
إذا عزم رجلٌ على الزواجِ من امرأة، فإنّه يذهب إلى وليّها بمفرده، أو مصطحبًا معه أحد أقاربه كأبيه أو أخيه، أو أنّه يُوكِل أحدًا غيره في خطبتها، وعلى الرّجل التّنبه إلى العرف السّائد في بلده، ففي بعض البلدان لا يجوزُ للرّجل الذّهاب لخطبة امرأة وحده، فيعدُّ ذلك عيبًا، وعليه مراعاة ذلك.
بعد موافقةِ المرأة وموافقةِ وليّ أمرها، يحدث الاتفاق فيما بينهم على المهرِ، وتكاليف الزّواج، وموعده أيضًا، وما إلى ذلك من تفاصيل وأمور، وهنا تجبُ أيضًا مراعاة اختلاف الأعراف، مع أخذ استطاعة الزوج واستعداده لإكمال الزواج بعين الاعتبار، فمن الناس من يتمّ الخطبة والعقد في مجلسٍ واحدٍ، وبعضهم يؤخّر العقد عن الخطبة، أو يؤخّر الدّخول عن عقد القران، وكله جائزٌ، فالرّسول صلى الله عليه وسلم عقد قرانه على السّيدة عائشة رضي الله عنها وهي ابنة ستٍ، ثم دَخل بها وهي ابنة تسعٍ.
وقد شاعت بينَ النَّاس عادة قراءة الفاتحة في فترة الخطبة أو عقد القران، وهذه ليست من السُّنة على الرغم من كونها عرفًا مقبولًا؛ وإنَّما السّنة أن تقال خطبة الحاجة، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "علَّمنا رَسولُ اللَّهِ خُطبةَ الصَّلاةِ وخطبةَ الحاجةِ: فأمَّا خطبةُ الصَّلاةِ فالتَّشَهُّدُ وأمَّا خطبةُ الحاجةِ فإنَّ الحمدَ للَّهِ نستعينُهُ ونعوذُ باللَّهِ من شرورِ أنفسنا ومن يَهدِهِ اللَّهُ فلا مضلَّ لَهُ ومن يضلِلْ فلا هادِيَ لَهُ".[٣]
ومن الجدير بالذكر أنه لا توجد ملابس محدّدة للزّواج، سواء للرّجل أو للمرأة أيضًا، ويؤخذ بذلك ما يتعارف عليه المجتمع في هذا، وعليه لا حرج في لبس البدلات ونحوها، وعلى المرأة أن تحافظ على سترها فلا تظهر أمام الرّجال إلّا بملابس ساترة، ولا حرج إذا كانت بين النساء فقط أن تخلع وتلبس ما أرادت دون مظاهر إسراف أو تبذير، أو ارتداء ما يدعو للفتنة.[١]
مقاصد الخطبة
للإسلامِ مقاصد عديدة من الخطبة لعلَّ أعظمها معرفة الرجل والمرأة لحال بعضهما، وحصول التّفاهم فيما بينهما ضمن حدود وضعها الإسلام، إذ إن الخطبة هي وعدٌ بالزّواج، فلا تصحّ الخلوة فيما بينهما قبل موعد الزواج المتمثل بعقد القران، ولا حرج في حضورِ مَحرَمٍ لمناقشة أي أمر يبنى عليه مستقبلهما، لذلك متى تحقّقت تلك الأهداف لا حرج من الزواج، دون تأخير الخطبة؛ لاقترانها بكثيرٍ من الأسباب، كالإثقال على أهل الفتاة بكثرة الزّيارات، أو كثرةِ المشكلات.[٤]
عادات وأعراف في الخطبة
توجد العديد من العادات والأعراف التي أصلُها العرف لا الشرع؛ كالّلباس المحدّد في الخطبة وغيره، ولا بد من التمييز بين تلك العادات والأعراف وبين السنن الواردة في الخطبة، ومن الضروري أن نشير إلى أنه لا حرج في تطبيق أي عرف أو عادة طالما أنها لا تخالف الشرع، ولكن يجب الحرص والانتباه على أن لا تكون تلك العادات والأعراف مجرد تقليد أعمى للأمم والأقوام الآخرين، دون أن تعكس ثقافتنا أو شخصياتنا، وقد حذرنا صلى الله عليه وسلم من ذلك بقوله: "لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَن قَبْلَكُمْ شِبْرًا بشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بذِرَاعٍ، حتَّى لو سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ، قُلْنَا: يا رَسُولَ اللَّهِ، اليَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قالَ: فَمَنْ؟"[٥]، وفي ذلك تحذير من رسول الله صلى الله عليه وسلم من التقليد والتبعية العمياء، وإشارة إلى خطورة هذا الأمر.[٦]
المراجع
- ^ أ ب "الخطبة الشرعية وأركان عقد النكاح "، طريق الإسلام ، 15/10/2016، اطّلع عليه بتاريخ 8/8/2021. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة ، آية:235
- ↑ رواه الألباني ، في تخريج كتاب السنة، عن عبد الله بن مسعود ، الصفحة أو الرقم:255، صحيح.
- ↑ "الخطبة الشرعية وأركان عقد النكاح "، إسلام ويب ، 28/8/2018، اطّلع عليه بتاريخ 8/8/2021. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:3456.
- ↑ "الخطبة الشرعية "، الإسلام سؤال وجواب ، 14/8/2012، اطّلع عليه بتاريخ 8/8/2021. بتصرّف.