من الحكمة الإلهية والرحمة الإسلامية أن جاءت تعاليم ديننا متوافقة مع حاجاتنا الإنسانية وفطرتنا البشرية، ولمّا كان الفرد والمجتمع بحاجة إلى قائد كان لا بد من وجود حاكم أو ولي يقود المجتمع والأفراد إلى ما فيه الخير والصلاح، ويمكننا الاستدلال على حاجتنا للقادة بالكثير من النصوص، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا كنتُم ثلاثةً في سَفَرٍ، فأَمِّروا عليكم أحَدَكم" [١]، وتظهر من هذا الحديث الحاجة إلى وجود قائد وأمير حتى في المجموعة قليلة العدد؛ لأنه سيكون بمنزلة مستشار لهذه المجموعة، وسيجتهد في تحري الخيار الأفضل لها، وللإجابة عن التساؤلات المتعلقة بطاعة ولي الأمر سنعرض أهمها وأشهرها في هذا المقال.


كيفية طاعة ولي الأمر

لم ترد الطاعة لأي كان في الدين الإسلامي إلا ووردت معها مجموعة من الشروط والحدود، ابتداءً من طاعة الوالدين ومرورًا بطاعة الزوج وانتهاءً بطاعة ولي الأمر؛ فالمسلم لا تكون طاعته عمياء لأي كان، بل يجب أن تكون الطاعة محكومة ومضبوطة بمجموعة من المبادئ التي تحقق الهدف من الطاعة وتحافظ على هوية المسلم، وفيما يأتي عرض لأهم ما يحدد طاعة ولي الأمر:


1. الطاعة بالمعروف

في كل باب تذكر فيه الطاعة بالإسلام فإنه يشترط أن تكون الطاعة بالمعروف، أي بما هو مباح وما يعرف بالفطرة أنه جائز، ابتداء من طاعة الوالدين إلى طاعة الزوج وانتهاء بطاعة ولي الأمر، ويمكننا الاستدلال على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا طاعةَ في مَعصيةِ اللهِ"[٢]، وعليه فإن طاعة ولي الأمر مشروطة بما هو مباح وجائز، وعليه لا تجوز طاعته بالمعاصي والمحرمات وما هو مخالف للفطرة السليمة.[٣]


2. الاحتكام إلى كتاب الله

من أكثر الأمور التي نتطرق إليها عند الحديث عن ولي الأمر هو اشتراط الاحتكام إلى كتاب الله، وكما ذكرنا سابقًا فإن ولي الأمر هو كل من ولي أمرًا للمسلمين وإن كان بسيطًا، وقد جاء الأمر بطاعة من يحتكم إلى كتاب الله في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنْ أُمِّرَ عليكم عبدٌ مُجَدَّعٌ أسودٌ يَقودُكمْ بكتابِ اللهِ فاسْمعُوا لهُ وأطِيعُوا"،[٤] ويظهر من ذلك الحديث أن المعيار في الطاعة هو الاحتكام إلى كتاب الله بعيدًا عن أي أمر شكلي آخر.[٥]


الحكمة من طاعة ولي الأمر

لم يأمر الإسلام بفعل أو ينه عن فعل إلا وكانت لذلك حكمة تنعكس على المسلم في حياته وفي آخرته، ويشمل ذلك طاعة ولي الأمر إذ إنها ضرورية لمجموعة من الأسباب وأهمها ما يأتي:


1. جمع الكلمة وتوحيد الصفوف

كان وجود الرسول صلى الله عليه وسلم بين أصحابه كفيلًا بتوحيدهم، ولمّا توفي صلى الله عليه وسلم ظهرت الحاجة إلى وجود من يسد حاجة المسلمين بالجمع على كلمة واحدة ورأي واحد، لذلك ظهرت الخلافة الإسلامية التي أعطيت في أول الأمر لأبي بكر وبدأ تناقلها بين الصحابة بحسب الأحقية ورأي الأغلبية، ومن الجدير بالذكر في هذا السياق ورود أمر من الله عز وجل بطاعة الرسول وأولي الأمر، وذلك في قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً" [٦]، ويمكننا القول هنا بأن ولي الأمر تشمل كل من ولي من أمر المسلمين شيئًا؛ من قضاء، وإفتاء، وتعليم، كما جاء في حديثه صلى الله عليه وسلم: "كُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والأمِيرُ راعٍ، والرَّجُلُ راعٍ علَى أهْلِ بَيْتِهِ، والمَرْأَةُ راعِيَةٌ علَى بَيْتِ زَوْجِها ووَلَدِهِ، فَكُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ".[٧][٨]


2. الأمن والأمان

إن الشعور بالأمن والأمان في المجتمع من الحاجات الفطرية للإنسان، فمن منا يطيق أن يخرج من بيته هو وأولاده دون أن يأمن أنه لن يتعرض للأذى، ولا يتحقق ذلك في المجتمعات إلا بوجود نظام وقانون يردع كل فرد في المجتمع عن أذية غيره، وهذا النظام لا يسود إلا بوجود نظام حكم كامل السيادة والأركان، ولما كان الأمن والأمان لا يتحقق إلا بذلك كان لا بد من طاعة صاحب السلطة في كل مكان؛ لأنه هو المخوّل بتطبيق النظام وتنفيذ القوانين بما يضمن الحماية للجميع.[٣]


المراجع

  1. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج مشكل الآثار، عن أبو الأحوص، الصفحة أو الرقم:5/ 43، إسناده صحيح على شرط مسلم.
  2. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن عمران بن الحصين، الصفحة أو الرقم:19824، صحيح.
  3. ^ أ ب "طاعة ولي الأمر..منهاج الصالحين"، صيد الفوائد. بتصرّف.
  4. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أم الحصين الأحمسية، الصفحة أو الرقم:1411، صحيح.
  5. "من هو ولي أمر المسلمين الذي تجب طاعته ؟"، طريق الإسلام. بتصرّف.
  6. سورة النساء، آية:59
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:5200، صحيح.
  8. "الخروج عن طاعة أولي الأمر (العلماء والأمراء)"، الدرر السنية. بتصرّف.