تعد أحكام الميراث من الأمور الربانية التي أوضحها الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم، فقد ذكر الله سبحانه وتعالى في آياته كيفية التعامل مع الميراث وتقسميه على من يستحقه ضمن قواعد وأسس معينة، يسودها بالتأكيد العدل بين مستحقيها، إلا أنه في بعض الحالات يصبح الوارث غير مستحق لهذه الورثة، ومن تلك الحالات ما اتفق الفقهاء عليها، ومنها ما لم يتفق الفقهاء عليها، ولأهمية معرفة الحالات التي يمنع فيها الوارث من ميراثه سنخصص هذا المقال لعرض الأمر عرضًا تفصيليًّا؛ مع توضيح الحالات التي تمنع الميراث باتفاق الفقهاء، والحالات التي اختُلِف في تسببها بمنع الميراث بين الفقهاء، إذ سنذكر كل نقطة منها على حدة مع شرحها بما يقتضي وضوح الفهم وإمكانية التطبيق.


موانع الإرث

موانع الإرث هي الأسباب التي تمنع الإنسان الوارث من حصوله على الورثة في حال توزيعها، وبناء على آراء الفقهاء، يمكن تقسيم موانع الإرث إلى قسمين وهما؛ موانع الإرث التي اتفق عليها جميع الفقهاء، وهي ثلاثة موانع، وموانع الإرث التي لم يتفق جميع الفقهاء عليها، وهي ثلاثة موانع، وفيما يأتي توضيح لهذه الموانع:[١][٢]


موانع الإرث التي اتفق عليها الفقهاء

تعددت الأسباب الموجبة للإرث باتفاق الفقهاء، ومقابل ذلك أيضًا تعدد الأسباب المانعة للإرث، وفيما يأتي توضيح لموانع الميراث الثلاثة التي اتفق عليها الفقهاء:


1. الرق

الرق في اللغة تعني العَبْدُ،[٣] والعبد لا يمكن أن يرث مولاه أو سيده إلا في حالات معينة؛ لأنه هو وماله ملك لسيده، ونستدل على ضعف العبد وقلة حيلته بقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: "ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ..."،[٤] والعبودية تتنوع إلى عدة أنواع، إذ يوجد أنواع من العبيد من الممكن أن يرثوا، وفيما يلي توضيح لهذه الأنواع:[٥][٦]

  • العبد المملوك لسيده ملكية تامة كاملة، وهذا النوع من الرق لا يرث ولا يُورِّث.
  • العبد المبعض في ملك المالك له؛ إذ يكون جزء من حرًّا، وجزء منه عبدًا، وهذا النوع من الرق يرث ويورث من بعضه الحر، وهذا ما ذهب إليه الشافعي.
  • العبد المكاتب أو المدبر؛ أما المكاتب فهو العبد الذي يكون موعود من سيده بتحريره، وذلك مقابل مبلغ من المال يدفعه لسيده، أما المدبر فهو الموعود بحريته عند موت سيده، وما ذهب إليه الحنابلة أن هذا النوع لا يرث ولا يورث.
  • العبدة الأنثى التي يكون سيدها قد عاشرها وأنجبت لسيدها ولدًا، فهذا النوع من الرق لا يمكن أن يبيعه سيده أو يهبه، وعند موت السيد تكون هذه العبدة حرة، وهذا النوع من الرق لا ترث فيه العبدة ولا تورث هي وابنها، وفي حال موت سيدها تصبح حرة هي وابنها.


2. القتل

اتفق جميع الفقهاء على أن القاتل لا يرث حتى لو كان هذا القتل ليس مقصودًا، فعلى سبيل المثال إذا قتل الرجل والده فهنا لا يمكن أن يأخذ نصيبه من الورثة لأنه تعجل الحصول على هذا المال، وقتل والده وإن لم يقصد،[٧] وما دل على ذلك الحديث النبوي الشريف: "ليس للقاتلِ شيءٌ، وإن لمْ يكن لهُ وارثٌ، فوارثهُ أقربُ الناسِ إليه، ولا يرثُ القاتلُ شيئًا".[٨]


3. اختلاف الدين

المقصود باختلاف الدين أن يكون كل من الوارث والمورث يعتنق دينًا مختلفًا عن الآخر، فاختلاف الدين من الطرفين يمنع الحصول على الورثة، ولقد ذكر الفقهاء صورًا لهذا الاختلاف على النحو التالي:[٥][٩]

  • أن يكون المتوفى مسلمًا والوارث كافرًا: وهنا لا يمكن للكافر أن يرث من أي شخص مسلم مهما كانت صلة القرابة التي تجمعهما، إذ إن الفقهاء جميعهم اتفقوا على ذلك بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: "لَا يَرِثُ المُسْلِمُ الكَافِرَ، وَلَا يَرِثُ الكَافِرُ المُسْلِم".[١٠]
  • أن يكون المتوفى كافرًا والوارث مسلمًا: وفي هذه الحالة لا يرث المسلم الكافر، وما دل على ذلك الحديث السابق أيضًا: "لَا يَرِثُ المُسْلِمُ الكَافِرَ، وَلَا يَرِثُ الكَافِرُ المُسْلِم".[١٠]
  • أن يكون المتوفى والوارث كافرين مع اختلاف الملة: وهنا لا يرث أحدهما الآخر ودليل ذلك: "لا يَتوارثُ أَهْلُ ملَّتينِ شتَّى".[١١]


موانع الإرث التي لم يتفق عليها الفقهاء

تعددت الأسباب الموجبة للإرث باتفاق الفقهاء، ومقابل ذلك أيضًا تعدد الأسباب المانعة للإرث، وفيما يأتي توضيح لموانع الإرث الثلاثة التي لم يتفق عليها الفقهاء:


1. الردة

المرتد هو الإنسان الذي اعتنق دين الإسلام ثم ترك الإسلام واعتنق دينًا آخر غير الإسلام، ومعنى الردة متفق عليه عند جميع الفقهاء، لكن الفقهاء اختلفوا فيما إذا كان هذا المرتد يرث ويورّث؛ فالإمام المالكي قال بأن المسلم الذي ارتد عن الإسلام فأصبح كافرًا يأخذ حكم المتعلق بالكافر، وهو أنه لا يرث ولا يورّث، ويذهب ماله في حين موته إلى بيت مال المسلمين، وينفق بما ينفع المجتمع الإسلامي بغض النظر عن وقت ورثته لهذا المال، سواء أكان ورثه قبل ردته عن الإسلام أم بعدها، أما أبو حنيفة فقال بأن المسلم يرث من المرتد المال الذي اكتسبه في إسلامهن أما ما اكتسبه بعد ردته فيذهب إلى بيت مال المسلمين.[٩][١٢]


2. اختلاف الدارين

وضح الفقهاء أن اختلاف الدارين يعني اختلاف المَنعة، والمنعة هي الاختلاف في السلطان والحاكم والقوة العسكرية، ومثال ذلك أن يكون أحد في الصين والآخر في الهند، فيكون لبلد الشخص الموجود في الهند منَعة مختلفة عن الصين، إلا أن الفقهاء اتفقوا على أن المسلمين الذي يقيمون في دول إسلامية مختلفة يرثون ويورثون بعضهم؛ لأنها كلها دار إسلام، أما الذي يسكن في دار الحرب وهو في الأصل من دار الإسلام فإن توفي يرثه أهله الذين يسكنون في دار الإسلام، وتبرير ذلك أنه ذهب إلى تلك الديار لأداء أمر معين كالعمل فهو دخل دار الحرب بأمان لذلك فإنه يعد في دار الإسلام حكمًا.[١٣]


3. الدور الحكمي

ويتمثل ذلك بإقرار وارث بوجود وريث آخر يحجب عنه الورثة، كأن يتثبت أخ المتوفى من وجود ابن له لم يكن معروفًا، وهو بذلك يكون قد أقر بوجود أمر يمنعه من الورثة وهو وجود ابن، ولقد اختلف الفقهاء في هذا الأمر على عدة أقوال؛ فأقرت الشافعية بإثبات نسب الابن دون توريثه، أما القول الثاني فهو إعطاء الابن الذي ثبت نسبه نصيبه من الورثة؛ لأن في إثبات نسبه إثبات لأحقيته بالميراث، وهذا القول ذهب إليه أبو حنيفة وهو قول عند الشافعية والحنابلة.[٩][١٤]


المراجع

  1. مجموعة من المؤلفين، كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 3-22. بتصرّف.
  2. عبد الله الطيار، كتاب الفقه الميسر، صفحة 237. بتصرّف.
  3. "تعريف و معنى رق في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، المعاني.
  4. سورة النحل، آية:75
  5. ^ أ ب " موانع الإرث "، إسلام ويب، 1/6/2009، اطّلع عليه بتاريخ 17/11/2021. بتصرّف.
  6. وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي، صفحة 10-7714. بتصرّف.
  7. " موانع الإرث "، إسلام ويب، 1/6/2009، اطّلع عليه بتاريخ 18/11/2021. بتصرّف.
  8. رواه الألباني ، في صحيح الجامع، عن عبدالله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:5421، حسن.
  9. ^ أ ب ت مجموعة من المؤلفين، كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 28-29. بتصرّف.
  10. ^ أ ب رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أسامة بن زيد، الصفحة أو الرقم:1614، صحيح.
  11. رواه الألباني ، في صحيح أبي داود، عن عبدالله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:2911، حسن صحيح.
  12. وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي، صفحة 10-7721. بتصرّف.
  13. وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي، صفحة 7722-7723. بتصرّف.
  14. عبد الله الطيار، الفقه الميسر، صفحة 5-237. بتصرّف.