لقد جعل الله الزواج سنة كونية، وأوجد في العلاقة بين الزوجين ما هو مختلف عن سائر العلاقات؛ إذ إنه خص الزواج بالمودة والرحمة، ويظهر ذلك في قوله تعالى: "وَمِنْ ءَايَتِهِۦٓ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَجًا لِّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِى ذَلِكَ لَءَايَتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"،[١] بل وكان الزواج من المقاصد التي جاءت بها الشريعة الإسلامية لحفظ النفس واستمرار النسل، وقد حث عليه نبينا الكريم في قوله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة؛ فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحفظ للفرج، ومن لم يستطع؛ فعليه بالصوم، فإنه له وجاء"،[٢] وقد جاء الإسلام منظمًا للنكاح ومسهلًا له؛ وذلك لحاجة البشر إلى التزاوج وتكوين الأسر فيما بينهم؛ فالزواج كمال للفرد وسكينة له، وفيه مودة وحفظ وإعفاف من اتباع المحرمات، وهذه المكانة للزواج أراد الشرع أن يحفظ قيمها بين المجتمع، لذلك وضع الإسلام شروطًا وضوابط في النكاح، كما وضع أركانًا وحقوقًا للمرأة كما الرجل، وحدد ضوابط أخرى في حالات الشقاق والنزاع والطلاق، وكل ذلك أوردته الشريعة الإسلامية دلالة منها على عظم الزواج وعدم التهاون به.


للزَّواج شروطٌ قسَّمها العلماء؛ إذ إنهم حددوها بشروط من حيث الصحة، ومن حيث النَّفاذ، ومن حيث الُّلزوم، واتَّفقوا على مجملها حسب الأدلَّة الشَّرعية التي أخذت المذاهب الأربعة بها، وفيما يأتي توضيح لذلك:


شروط صحة النكاح

وهيَ الشَّروط التي تتوقَّف عليها شرعية الزَّواج وصحته، وفيما يأتي توضيح لها:[٣]


1. أن تكون المرأة محلًّا للنِّكاح

أي ألا تكون محرَّمة على من يريد الزواج بها تحريمًا مؤقتًا أو مؤبدًا، وينطبق التحريم الموقت على الجمع بين الأختين، فإن زال الجمع لطلاقِ الزوجة أو موتِها جاز للرَّجل نكاحها، أما التحريم المؤبد فيكون في حال الإخوة من الرضاعة.


2. ألا تكون المرأة من محارم الرجل

ويكون التحريم في هذه الحالة مؤبدًا، كزواج الأخت أو الأم أو العمَّة، وهذه حرمةٌ لا يمكن المساس بها، لقوله تعالى: "حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُوا دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا".[٤]


3. ألا يكون الرَّجل أو المرأة محرمين في حج أو عمرةٍ

وذلك كما قال جمهور العلم في المذاهب الحنبلية والمالكية والشافعية؛ أمَّا الإمام أبو حنيفة فأجاز أن يكونا محرمين.


4. أن يكون الزَّواج دائمًا

فلا يجوز أن يكون مؤقتًا كزاوج المتعة أو الاتِّفاق على الزَّواج بنية الطلاق، وهذا محرَّمٌ لمخالفته الشَّرع، ومخالفة مقاصد الزواج الحقيقية.


5. الإشهاد على الزَّواج

وهذا ما ذهب إليه قول الجمهور، ولا يصحُّ الزَّواج دون الإشهاد؛ إذ إن الإشهاد يجعل المجتمع يدرك أن هذا الرجل وهذه المرأة زوجان، وبالتالي فإن علاقتهما شرعية، وفي شرطِ الإشْهاد حكمٌ بأنَّ فرضَ الشَّهادة هو فرض كفاية لا فرض عين، أي إن حضر شخصان سقطَ الإثم عن الجميع، أمَّا إن لم يحضر أحد فقد احتمل الجميع الإثم، وأيضًا إنَّ من دعي لإشهار النِّكاح وجب عليه الحضور، كما قال عزَّ وجلَّ: "ولا يَأبَ الشُّهداءُ إِذَا مَا دُعُوْا".[٥]


شروط لزوم النكاح

وهي شروطٌ اشترطها الشَّرع لتكونَ نافذةً ولازمةً على الطرفين، فإن لم تُوجد هذه الشروط جازَ لأحدِ الطَّرفين فسخ العقد، وهي كالآتي:[٦]


1. الكفاءة

أي أن يكون الزَّوج والزَّوجة أكفياء في زواجهما ومناسبان لبعضهما، فإن لم يكونا كذلك جازَ لوليِّ المرأة فسخ العقد، أو إنْ تبيَّن للزَّوج خللٌ في الكفاءة المطلوبة، وكان ذلك العيبُ مخفيًّا قبل عقد الزَّواج، أو لم يبيِّنه أحد الزَّوجين، جاز للآخر فسخُ عقد الزَّواج.

2. الخلو من العيوب المانعة

ويعني ألا يعاني الرجل أو المرأة من عيبٍ عقليٍّ كالجنون أو السَّفهِ، أو عيب جسدي يشكل صعوبة على أحدهما في الاستمرار مع الآخر، ويجوز في هذه الحالة فسخ النِّكاح كما اتَّفق الأئمة الأربعة.


شروط نفاذ النكاح

ويكون تنفيذ العَقد متوقفًا على هذه الشُّروط، فإنْ تحققت هذه الشُّروط ترتَّبت آثارُ العَقدِ والتزاماته، وهي الآتي:[٧]


1. كمالُ الأهليَّة للعاقدين

إذ يجب أن يكون الزوجان بالغين عاقلين، لا يشوبهما أيُّ عيبٍ من عيوب الأهليَّة كالعته، أو أحدِ عيوبِ الإرادةِ كالإكراه، وفي حال مخالفة هذا الشرط يكون إتمام العقد متوقفًا على موافقة الولي.


2. الولاية في إنشاء العقد

وتعني أن يكون الزوجان بصحة عقلية وجسمية تؤهلهما لاتخاذ القرار عن نفسيهما بعقد الزواج وتحمل تبعاته.


المراجع

  1. سورة الروم ، آية:21
  2. رواه الألباني، في غاية المرام، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:206، صحيح.
  3. "شروط صحة الزواج "، طريق الإسلام ، 7/6/2012، اطّلع عليه بتاريخ 1/9/2021.
  4. سورة النساء، آية:23
  5. سورة البقرة ، آية:282
  6. السنة/شروط لزوم عقد الزواج:/i603&d937258&c&p1 "شروط لزوم عقد الزواج"، نداء الإيمان. بتصرّف.
  7. "شروط الزواج:الصحة والنفاذ واللزوم"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 1/9/2021.