إن للنصيحة في الدين الإسلامي مكانةً كبيرة وقدرًا عظيمًا، لدرجة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيها: "الدِّينُ النَّصِيحَةُ. قُلْنا: لِمَنْ؟ قالَ: لِلَّهِ ولِكِتابِهِ ولِرَسولِهِ ولأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وعامَّتِهِمْ" [١]، وإن حصر الدين في النصيحة يدل على أهميتها، تمامًا كحصر الحج في عرفة؛ إذ إن الوقوف في عرفة يعد ركن الحج الأعظم، أما النصيحة لله فتكون بالإيمان به وبأسمائه وصفاته، وتطبيق ما أمر به واجتناب ما نهى عنه، وأما النصيحة لكتاب الله فتكون بالإيمان بأنه كلام الله مع العمل بما جاء فيه، وأما النصيحة للنبي فتكون بتصديقه وطاعته فيما أمر والانتهاء عما زجر، وأما النصيحة لأئمة المسلمين فتكون بإعانتهم على الحق والخروج عن طاعتهم في الباطل وإرجاعهم إلى الصواب، وأخيرًا فإن النصيحة لعامة المسلمين تكون بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وهي ما سنتحدث حوله في هذا المقال، وسنخصص حديثنا عن الآداب التي يجب الالتزام بها ومراعاتها عند النصيحة؛ وذلك ليتحقق القصد منها. [٢]


1. التأكد من احتياج المسلم للنصيحة

ففي بعض الأحيان يظن أحدهم أن أخاه المسلم مقصر في جانب ويحتاج النصيحة فيه بسبب ما سمعه عنه من أخبار، دون أن يتأكد من صحة ما سمعه، فقد يكون الكلام المتناقل عاريًا عن الصحة، وبالتالي تكون النصيحة فيه بلا فائدة، بل إنها تجلب الحزن والكآبة للمنصوح بسبب ما يُتناقل عنه من كلام، وعليه يجب أن يتثبت الشخص من حاجة أخيه للنصيحة. [٣]


2. تحري الوقت الأنسب للنصيحة

إذ إن القلوب تكون مدبرة في بعض الأحيان، ومقبلة في أحيان أخرى، وعلى الناصح أن يتحرى وقت إقبال القلب حتى تصل النصيحة إلى القلب دون حواجز، ودون أن تترك أثرًا سلبيًّا في نفس المنصوح، فلا ينصح أحدهم أخاه وقت الحزن أو الفرح لأنه غير مناسب أبدًا. [٣]


3. إخلاص النية

فلا ينصح أحدهم أخاه في عيب عنده ليظهر أنه أفضل منه، أو ليشعره بأنه أقل منه قدرًا؛ لأن هذا يتنافى مع أساس النصيحة التي يقوم عليها الدين، بل إن مثل هذه النصيحة لا تجوز لأنها لا تحقق الهدف منها، وعليه يجب على الناصح أن يقصد بنصيحته وجه الله ويقدم تلك النصيحة على هذا الأساس. [٤]


4. الإسرار بالنصيحة

إذ إن الأصل في النصيحة أن تكون سرًّا وإلا فإنها تكون فضيحة كما قال القدماء، كما أنه لا يمكن أن يجتمع الإخلاص مع النصيحة العلنية؛ لأن النفس البشرية تحب أن تظهر محاسنها أمام نقص الآخرين، وهذا ما لا يجب وقوعه في النصيحة، لذلك يجب أن تكون النصيحة سرًّا بين الناصح والمنصوح دون وجود أحد آخر يسمع، وإلا فإنها تكون في غير وقتها وفي غير مكانها. [٣]


5. النصح برفق

لتصل النصيحة إلى قلب السامع لا بد من تقديمها برفق، ولنا في قول الله عز وجل لموسى وهارون خير دليل: "اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى، فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى" [٥]، فقد أمرهما الله بالقول اللين لفرعون الذي كان يدعي أنه إله، فما بالنا بإخواننا المسلمين، إذ يجب أن يكون الرفق في كل النصيحة، ويشمل ذلك الكلمة الطيبة والوجه البشوش والمشاعر الصادقة، بالإضافة إلى آداب النصيحة الأخرى من الإخلاص والإسرار. [٣]


6. المعرفة والحكمة

فمن غير المنطقي أن ينصح المسلم أخاه بما لا يعرفه، كأن ينصحه في أمر فقهي دون أن يكون ملمًّا به؛ لأن النصيحة هنا تأخذ مفعولًا عكسيًّا وتزيد من جهل المنصوح، كما أن عدم المعرفة بالنصيحة المقدمة يجعل المنصوح يعزف عن الأخذ بها وإن كانت في محلها، لأن الناصح سيسكت عند أول سؤال عن أصل ذلك الأمر، وإن لم يسكت فإن أسلوبه سيكون فظًّا بحكم عدم معرفته واطلاعه، ومن الضروري تقديم النصيحة بالحكمة والحجة والبرهان؛ وذلك لإقناع المنصوح وتثبيت الحجة. [٣]


المراجع

  1. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن تميم الداري، الصفحة أو الرقم:55.
  2. "آداب النصيحة"، موقع الشيخ محمد صالح المنجد. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت ث ج "آداب النصيحة والناصح الظاهرة"، الألوكة الشرعية. بتصرّف.
  4. "آداب النصيحة"، الإسلام سؤال وجواب. بتصرّف.
  5. سورة طه، آية:43-44