إن الوقف أمر مستحب في الشريعة الإسلامية؛ لما له من دور كبير في الإنفاق على فئة كبيرة من جهات البر، فالوقف صدقة جارية دائمة، وهي من أفضل الأمور التي حث عليها الله سبحانه وتعالى، ومن الأمور التي يجب أن يراعيها الواقف هي تعيين ناظر على الوقف بهدف عدم ضياع هذا الوقف، وفي حال عدم تعيين الواقف لناظر للوقف يكون النظر في الوقف للموقوف عليه إن كان الموقوف عليه معينًا، وإذا احتاج الوقف إلى أكثر من ناظر فيجوز تعدد النظار إذا اقتضت الحاجة، وفي مقالنا هذا سنتعرف على بعض الأمور التي تتعلق بناظر الوقف.


من هو ناظر الوقف؟

هو الشخص الذي يكون مسؤولًا عن أعمال الوقف، وهو الذي يتولى إدارتها من حيث الإصلاح والإعمار وغير ذلك مما يحتاجه الوقف من أغراض لتحقيق هدف الواقف من هذا الوقف، ويتولى ناظر الوقف أيضًا توزيع غلات الوقف على مستحقيها، كما أن لناظر الوقف أجرة تؤخذ من ريع الوقف.[١][٢]


الأدلة على وجود أجرة لناظر الوقف

اتفق جميع الفقهاء على أن لناظر الوقف أجرة يستحقها مقابل العمل الذي يقدمه للوقف، ولكن اختلاف الفقهاء كان على جواز اشتراط الواقف لأخذ هذه الأجرة من ريع الوقف أو عدم جوازه، فالذين قالوا بجواز أن يأخذ ناظر الوقف أجرته من ريع الأرض استدلوا على هذا الجواز بعدة أدلة، وفيما يأتي عرض لأدلتهم:[٣]

  1. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يقتسِمُ ورَثَتي دينارًا ما ترَكْتُ بعدَ نفقةِ أَهْلي ومؤنةِ عامِلي فَهوَ صدقةٌ"،[٤] ووجه الاستدلال في هذا الحديث على أنه يجوز إعطاء ناظر الوقف أجرته من ريع الأرض، وهذا ما ذهب إليه ابن حجر العسقلاني الذي شرح هذا الحديث، فقال إن هذا الحديث يدل على مشروعية أجرة العامل على هذا الوقف.
  2. ما روي عن سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه جعل أجرة العاملين الذي وضعهم لعمارة وقفه من غلة الوقف، وهذا يقع في منزلة الأجير في الوقف.
  3. قياس ناظر الوقف على الأجير، فكما أنه يمكن لناظر الوقف أن يستأجر من يصلح الوقف ويعمره ويدفع له لقاء ذلك، فإنه يحق لناظر الوقف أن يأخذ أجرًا لقاء اعتنائه بالوقف فهو أيضًا يستحق الأجر.


تحديد مقدار أجرة ناظر الوقف

أجمع الفقهاء على جواز تحديد الواقف لأجرة ناظر الوقف ومقدار هذه الأجرة، وفي حال تحديدها يكون الناظر مستحقًّا للأجرة كاملة سواء أكان يرى أنه يستحق أكثر منها أو أقل، واستدلوا على ذلك بجواز تقدير مال معلوم للناظر يأخذه في كل شهر أو كل سنة من غلة الوقف دون اشتراط عمل معين له، فمن باب أولى جواز تقدير أجرة لخ عند تكليفه بأمور الوقف.[٥][٦]


اختلف الفقهاء في مسألة عدم تحديد أجرة لناظر الوقف، وكان الاختلاف على أنه هل يجوز للناظر أن يأخذ أجرته بنفسه، أم أنه يجب أن يأخذ إذن القاضي، وقد انقسمت آراء الفقهاء إلى ثلاثة أقوال، وفيما يلي طرح لهذه الأقوال:[٧]

  • القول الأول: لا يجوز أن يأخذ ناظر الوقف الأجرة إلا بإذن من القاضي، إلا في حال كان من المتعارف في ذلك المجتمع أن الناظر يأخذ الأجرة على الأعمال التي يؤديها، وهذا القول عند الحنفية وهو قياس للمذهب عند الحنابلة.
  • القول الثاني: لا يجوز أن يأخذ ناظر الوقف الأجرة إلا بإذن من القاضي، ولا يأخذ بالمتعارف، وهذا ما ذهب إليه البعض في المذهب الحنفي والكثير في المذهب الشافعي، وقد استدل أصحاب هذا القول على أن ناظر الوقف إذا عمل ولم يحدد له أجر ولم يشترط الأجر ولم يطلبه، فهذا يعني أن ناظر الوقف متبرع بعمله ولا يترتب له أجر على هذا العمل، ويستثنى من ذلك أن تكون أجرة الناظر عرفًا مشهورًا دون الحديث عنها، إذ إنه يأخذ أجرته في هذه الحالة.
  • القول الثالث: وهذا القول يجيز لناظر الوقف أن يأخذ الأجرة أخذًا مطلقًا دون الحاجة إلى إذن من القاضي، وقد ذهب إلى هذا القول بعض الحنفية وبعض الشافعية، واستدل أصحاب هذا القول بأن المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا، لذلك لا يحتاج ناظر الوقف إلى إذن القاضي من أجل الحصول على أجرته في حال كان العرف السائد هو إعطاء الناظر أجرة، لأنه لم يكن ليقبل القوامة على الوقف إلا بأجرة، أما إذا كان العرف السائد هو أن الناظر لا يأخذ أجرة فلا يجوز له أخذها، وفي ذلك موافقة لأصحاب القول الأول.


وإن القول المرجح من بين تلك الأقوال الثلاثة هو القول الأول؛ وذلك لأنه يجمع بين تلك الأقوال كلها.


المراجع

  1. عادل شاهين، كتاب أخذ المال على أعمال القرب، صفحة 662. بتصرّف.
  2. وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي، صفحة 7688. بتصرّف.
  3. عادل شاهين، كتاب أخذ المال على أعمال القرب، صفحة 663-664. بتصرّف.
  4. رواه العيني، في نخب الأفكار، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:491، إسناده صحيح.
  5. عادل شاهين، كتاب أخذ المال على أعمال القرب، صفحة 665. بتصرّف.
  6. دبيان الدبيان، المعاملات المالية أصالة ومعاصرة، صفحة 16-700. بتصرّف.
  7. عادل شاهين، كتاب أخذ المال على أعمال القرب، صفحة 666. بتصرّف.