يحث الإسلام المسلمين على التكافل والتعاون فيما بينهم، ويشجع على صور البر والإحسان والإنفاق في سبيل الله تعالى، إذ يقول الله عز وجل في ذلك: "لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ" [١]، وإن الإنفاق هنا يشمل الكثير من الجوانب المادية والمعنوية بما يحقق السعادة والاستقرار في المجتمع، وبالتالي تسوده المودة والمحبة ويتغلب أفراده على الفقر والحاجة، وتُشبَع حاجات الفقراء والمساكين والمحتاجين فيه، ولا يقتصر ذلك الإنفاق على الصدقة والزكاة والأضحية على الرغم من أهمية كل من هذه الصور، بل يتوسع الإسلام في الحث على ذلك بصور أخرى كالوقف، ومثاله ما ورد في الحديث النبوي الشريف: "أَنْ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ أصابَ أرْضًا بخَيْبَرَ، فأتَى النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَسْتَأْمِرُهُ فيها، فقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنِّي أصَبْتُ أرْضًا بخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ مالًا قَطُّ أنْفَسَ عِندِي منه، فَما تَأْمُرُ بهِ؟ قالَ: إنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أصْلَها، وتَصَدَّقْتَ بها قالَ: فَتَصَدَّقَ بها عُمَرُ، أنَّه لا يُباعُ ولا يُوهَبُ ولا يُورَثُ، وتَصَدَّقَ بها في الفُقَراءِ، وفي القُرْبَى وفي الرِّقابِ، وفي سَبيلِ اللَّهِ، وابْنِ السَّبِيلِ، والضَّيْفِ لا جُناحَ علَى مَن ولِيَها أنْ يَأْكُلَ مِنْها بالمَعروفِ، ويُطْعِمَ غيرَ مُتَمَوِّلٍ قالَ: فَحَدَّثْتُ به ابْنَ سِيرِينَ، فقالَ: غيرَ مُتَأَثِّلٍ مالًا" [٢]، ويظهر هذا الموقف أن النبي صلى الله عليه وسلم حث عمر بن الخطاب رضي الله عنه على وقف أرضه في سبيل الله تعالى ببقاء الأصل ونقل الانتفاع بها إلى الفقراء في وجوه الخير والبر، مما يدل على أهمية الوقف وعظيم أجره ونفعه للمجتمع.


تعريف الوقف لغةً واصطلاحًا

الوقف لغةً هو الحبس، أما اصطلاحًا فيقصد به تخصيص مال يمكن الانتفاع به مع بقاء أصله، مع عدم القدرة على التصرف به من بيع أو رهن، ويشترط في الوقف أن يكون على جهة مباحة وموجودة في الوقت الحالي، فهو حبس العين وتخصيص منافع العين في وجه من وجوه الخير والبر للانتفاع بها. [٣][٤]


حكم الوقف

الوقف مستحب مرغب به، يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه، فهو في دائرة المندوبات المشروعة التي يتقرب بها العبد إلى ربه.[٤]


أركان الوقف

للوقف عدة أركان يقوم عليها، وهو لا يتم إلا بها، فهي داخلة في حقيقته ويجب أن تتوافر فيه، وهي كالآتي:[٥]

  1. العين الموقوفة.
  2. الصيغة.
  3. الموقوف عليه.
  4. الواقف.


شروط الوقف

توجد عدة شروط للوقف، منها ما اتُّفق عليه ومنها ما اختُلِف فيه، وبعضها يتعلق بالواقف، ومنها ما يرتبط بالموقوف، وذلك على النحو الآتي: [٦]


1. الواقف

تشترط بالواقف عدة شروط؛ وهي البلوغ والعقل والحرية، وأن يخرجه من ملكيته، وأن يختار قيمًا للوقف ويسلمه إياه؛ والقيم هو الشخص الذي يقوم على شؤون الوقف، فيهتم به ويساعد على استخدام وتوظيف الوقف لما خصص له، والبعض اشترط أن يحدد الجهة المنتفعة به، وقد لا يحددها وتنصرف إلى الفقراء عمومًا في حال عدم التحديد.


2. الموقوف

يشترط بالموقوف أن يكون مما لا ينقل، يعني أن يكون ثابتًا كالعقار، فلا يجوز وقف المنقول، وقد أجازه البعض استحسانًا، ويشترط به أن يكون مقسومًا فلا يجوز وقف المشاع، ويقصد بالمشاع المال المشترك بين عدة أشخاص بلا تحديد لحصة كل واحد منهم، فتكون الحصة للشخص الواحد الثلث أو الربع وهكذا، فهي ليست حصة أو مقدارًا محددًا مميزًا، وإنما نصيب من مجموع الشيء كثلثه أو ربعه ونحو ذلك.


صور وأمثلة على الوقف

توجد عدة صور عملية على الوقف في وقتنا الحاضر نذكر منها: [٧]

  1. الوقف على الفقراء والمساكين.
  2. الوقف على طلبة العلم للمدارس والكليات والجامعات.[٧]
  3. الوقف للمساجد.
  4. الوقف على خدمة القرآن الكريم لحفظه وتعليمه ونشره.
  5. الوقف على المجال الصحي كالمستشفيات والمصحات ونحوه.
  6. الوقف لدور الأيتام والأرامل والمسنين.
  7. الوقف للمنكوبين من الحروب ونحوها، وعلى أبناء السبل الذين تقطعت بهم الطرق[٧].


فلنحرص في حياتنا العملية على أن نشعر بالآخرين، وأن نكون عناصر فاعلة في مجتمعاتنا، وأن نبذل أموالنا في وجوه البر والخير والإحسان، ومنها الوقف بإحدى صوره التي نستطيعها، وأن نبتغي بذلك مرضاة الله تعالى وتحقيق النفع لمجتمعاتنا التي نحب، وأن نترك خلفنا أثرًا طيبًا يدعو لنا الآخرون بسببه بالخير.


المراجع

  1. سورة آل عمران، آية:92
  2. رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن عبدالله بن عمر رضي الله عنه ، الصفحة أو الرقم:2737.
  3. ابن منظور ، لسان العرب، صفحة 359. بتصرّف.
  4. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين ، الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي، صفحة 9.
  5. محمد بن عبدالله الخرشي، شرح مختصر خليل للخرشي، صفحة 78.
  6. الكاساني ، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، صفحة 220. بتصرّف.
  7. ^ أ ب ت فيصل بن عبد الرحمن الشدي، "الوقف "، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 31/7/2021. بتصرّف.