دون شك إن الأخلاق غير الجيدة تعد سببًا في تدمير المجتمعات والأفراد، فكلما انحرف المجتمع والأفراد عن الأخلاق الحميدة والكريمة انتشر في الأرض الفساد وكل ما يؤدي إلى انهيار المجتمعات وتتفككها، ومن أعظم وأبشع المفاسد الأخلاقية التي من الممكن أن يتعرض لها المجتمع والأفراد هو الغرور، إذ يعد الغرور داءً يستدل به على الضعف والنقصان في العقل والبصيرة، وإن هذه الصفة تجعل الفرد ينخدع بما أنعم الله سبحانه وتعالى عليه من قوة وجمال، فيؤدي به الأمر إلى التكبر والتعالي على غيره، ثم يتكبر بعد ذلك على الله سبحانه وتعالى، وقد قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: "يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ"،[١] وفي مقالنا هذا سنتعرف على بعض الأمور المتعلقة بصفة الغرور.


معنى الغرور

يمكن تعريف الغرور بأنه النظرة إلى الذات بدرجة عالية من الأهمية والتقديس تصل إلى الخداع والمبالغة،[٢] وهي عكس التواضع، وللغرور كثير من المعاني، منها إظهار الفرد أنه يحصل على المنافع مما فيه مضرة بالأصل، ويعرف أيضًا الغرور على أنه ركون النفس وسكونها إلى ما يوافق أهواء الفرد وميوله، وهذا انقياد وراء الشيطان وانخداع منه.[٣]


أنواع الغرور

إن للغرور أنواعًا كثيرة، ولقد أوضح العلماء هذه الأنواع وبينوا أن أخطرها هو الغرور الذي يكون لدى الكافر والعاصي، وفي السطور القادمة توضيح لهذه الأنواع:[٤]


1. غرور الكافر

ويظهر هذا النوع من الغرور لدى الإنسان الذي اغتر بالحياة الدنيا على كفره، إذ إن هذه الفئة تعتقد أن الآخرة غير موجودة، بينما الحياة الدنيا مستمرة، وبالتالي فإنهم يستمتعون بملذات الدنيا لأنها يقين حاضر لهم، فيختارون اليقين في الدنيا عن الآخرة التي يعدونها باعتقادهم غير موجودة ومشكوك بوقوعها، ويمكن التخلص من هذا الغرور وعلاجه بطريقتين؛ أما الطريقة الأولى فتكون من خلال عرض البرهان بأن الشيطان هو الذي وسوس في نفسه بأن يعتقد هذا الاعتقاد، بينما الطريقة الثانية تكون بالتصديق بالبعث والحساب، وهذا يظهر من خلال الإيمان بالله سبحانه وتعالى وبما أنزل في كتابه، فقد قال الله سبحانه وتعالى في كتابه: "وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَىٰ".[٥]


2. غرور العاصي المؤمن

ويظهر هذا النوع من الغرور لدى المؤمنين الذين يؤمنون بالله سبحانه وتعالى، ولكنهم يعصونه لأنه يعلمون أن الله غفور، فيتعمدون ارتكاب الأعمال التي لا يجب فعلها، أو إهمال الطاعات التي يجب الالتزام لها، وذلك اعتقادًا منهم بأن الله سيغفر لهم الذنوب لأنه غفور.


3. غرور أصحاب المعاصي التي تزيد على الطاعات

وهذه الفئة تحسب أن حسناتها أكثر من سيئاتها، وأن ميزان حسناتها سوف يرجح، كأن تكون الصدقة التي يحسبونها المنجية لهم من مال حرام، فيظنون أنهم يكسبون بها حسنات كثيرة، ولكن الأمر ليس كذلك.


سلبيات الغرور

وللغرور سلبيات ومضار، ومن هذه السلبيات ما يلي:[٦]

  1. فساد النفس وخبث السريرة.
  2. تحقق الهلاك بالإصرار على ارتكاب المعاصي بحجة أن الله غفور.
  3. التهاء أصحاب العلم عن العمل بسبب اغترارهم بالعلم واكتفائهم به.
  4. فساد العمل الذي يشوبه الغرور.
  5. تحقق الكفر أو الطغيان باستمرار الغرور.
  6. تجرأ الإنسان المغرور على الله سبحانه وتعالى.
  7. خسارة المغرور في الدنيا واستحقاقه العذاب في الآخرة.
  8. جهل المغرور بالأصل الذي خلق منه، وهو الطين.
  9. التعارض مع الحقيقة التي خلق لها الإنسان وهي عبادة الله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له.
  10. هلاك الفرد والمجتمع.
  11. إصابة الفرد بالأمراض النفسية.
  12. التخلق بالأخلاق غير المقبولة والسيئة، مثل التكبر وعدم التواضع وغيرها.


مظاهر الغرور

إن الغرور داء يصيب الإنسان، لذلك يجب البحث عن علاج لهذا الداء، ومن المظاهر التي يتضح بها أن الإنسان مصاب بالغرور ما يلي:[٧]

  1. احتقار الآخرين: إن الغرور مقبرة للنجاح، وقد نجد أن الإنسان ليست له مكانة أو منزلة ولا أي درجة من درجات العلم، ومع ذلك فإنه يحتقر الناس، وهذا بالتأكيد لا يبرر تكبر من لديه مكانة وعلم، لكنه يجعلنا ندرك أن احتقار الآخرين لا يكون إلا من غرور في النفس.
  2. عدم قبول النصح من الآخرين: إذ إننا نجد أن الكثير من الأشخاص الذين لا يقبل أي نصيحة، ومثال ذلك إصرار شخص على ارتكاب الكبائر دون التفاته لأي نصح.
  3. الاعتزاز بالنفس: إن الشخص المغرور يعتز بنفسه كثيرًا، ويحب دائمًا أن يعتز برأيه وأن يخضع الناس لرأيه وفكره، ولا يحب أن يستشير أحدًا لأنه لا يرى من هو أفضل منه.
  4. عدم احترام كبار القدر والعمر: وذلك لأن المغرور لا يهتم بقدر الآخرين، فهو لا يرى أحدًا يستحق الاحترام غيره.
  5. عزوف العامة عن التعامل معهم: إذ يمكننا أن نعرف الشخص المغرور من كلام الناس عنه ونظراتهم له.
  6. محاولة تمييز النفس عن الغير: إذ نجد أن الشخص المغرور يحب أن يتميز عن غيره، ويكثر الحديث عن نفسه وذاته.


المراجع

  1. سورة الانفطار، آية:6-7
  2. "تعريف و معنى غرور في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، المعاني.
  3. "الغرور"، موسوعة التفسير الموضوعي للقرآن الكريم. بتصرّف.
  4. "الغرور"، الكلم الطيب. بتصرّف.
  5. سورة الضحى، آية:4
  6. مجموعة من المؤلفين، كتاب نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم، صفحة 5068. بتصرّف.
  7. سعد البريك، دروس الشيخ سعد البريك، صفحة 6-11-106. بتصرّف.