نزلت الشريعة الإسلامية على سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم بلسان عربي مبين، فكان لها من المعجزات ما يثبت مصدرها الإلهي من الكمال والشمول ما لم يكن في الشرائع البشرية كلها، إذ تميزت الشريعة الإسلامية بالمعجزات التي تحدى القرآن بأن يؤتى بمثلها من إعجازات لغوية وعلمية وغيبية وتشريعية، فجاء الجانب التشريعي مثبتًا أن الشريعة الإسلامية التي أنزلها الله عز وجل تصلح لكل زمان ومكان، وتحتوي العديد من الصفات من ناحية الكمال والشمولية لجوانب حياة الإنسان جميعها، وكان من هذه الأحكام التي نظمتها الشريعة الإسلامية أحكام الميراث؛ فالميراث هو التركة التي يتركها الشخص بعد موته لمن لهم صلة به من قرابة وغيرها من الصلات، فوضع الإسلام لها أحكامًا خاصة، وبينها في القرآن الكريم والسنة النبوية بما يضمن إعطاء كل ذي حقٍ حقه، وبما يحقق ترك الظلم السائد في زمن الجاهلية، مثل منع الميراث للنساء وغيرها من عادات الجاهلية، فما هي أحكام الميراث؟ وما النصوص الشرعية المفصلة لذلك؟ هذا ما سنتناوله في مقالنا.


شرح لأحكام الميراث

فرض الله عز وجل أحكامًا عديدة للميراث، فجعل للذكر نصيبًا مختلفًا عن الأنثى لحكم عديدة، وعلق الميراث على العديد من الشروط التي يجب توفرها لاستحقاقه، ووضع بعض الموانع التي تمنع الميراث عن الوارث، وفي ذلك حكمة إلهية تساعد في الحفاظ على المجتمع، أما مشروعية الميراث فهي مستمدة من الكتاب والسنة النبوية، وقد قال تعالى: "لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ ۚ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا، وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا"،[١] وتفصيل هذه الأحكام يجب التعامل معه بدقة، مع الأخذ بفتاوى الفقهاء ورفعها إلى المحكمة الشرعية للتأكد من توزيع الإرث بشكل صحيح، والتأكد كذلك من عدم وجود أي وصية أو دين على الميت، إذ يجب سداد الدين أو العمل بالوصية للميت قبل توزيع أي تركة على الورثة،[٢] أما تفصيل أحكام الميراث فسنتناوله في المقال أدناه.


أسباب الميراث

أسباب الإرث في الإسلام ثلاثة وهي كالآتي:[٣]


1. النكاح

وهو من الروابط التي بموجبها تتحقق المطالبة بالإرث، ويوجب بسببه للزوجة أو الزوج، ولا يشترط الدخول في الزواج طالما كان هناك بينهما عقد زواج صحيح مكتمل الشروط والأركان، وأما المطلقة فيحق لها الإرث من زوجها طالما كان الطلاق رجعيًّا، أي طلما لا زالت خلال مدة عدتها؛ لأنها بذلك تكون تحت عصمته ويحق له إرجاعها دون رضاها ودون عقد زواج جديد، لذلك يحق لها أن ترث من زوجها.


2. النسب

وهي صلة القرابة الحقيقية، التي تربط الإنسان بعائلته، سواء أكانت القرابة من جهة الأب أم من جهة الأم، وهذه من أقوى العلاقات التي توجب الإرث وتقسم إلى ثلاثة أقسام وهي:

  • الأصول: وهم أقارب المورِث من الآباء على نحو أبيه وأمه وجده وجدته.
  • الفروع: وهم أبناء المورث وبناته، وما يمتد من ابنه وابن ابنه وبنت ابنه كذلك.
  • الحواشي: وهم إخوة المورث وأخواته، وما يمتد من نسلهم من أبناء أخ وأخت، وأبناء الأخ غير الشقيق من الأب نفسه وأم مختلفة.


3. الولاء

وهي صلة قرابة معنوية، وليست مشتركة بالدم تكون على نحو أن يعتق السيد عبده، فيحق له وراثته، والحكمة من ذلك أنه أخرجه لنيل الحرية بعد العبودية كما لو أنه ولِد ولدًا وأخرجه لهذا العالم، فيحق له أن يرث ابنه، ويمكن تشبيه الولاء بهذا النحو.


شروط توزيع الميراث

بعد معرفة من يحق المطالبة بالميراث وفق الشريعة الإسلامية، لا بد من تحقق بعض الشروط قبل توزيع الإرث على الورثة وهي كالآتي:[٤]

  1. التحقق من موت المورِث، وذلك من خلال مشاهدته أو الأخذ بشهادة اثنين على موته، أو الحكم بأنه ميت بعد تجاوزه لمدة غياب معينة دون سماع أي أخبار تذكر عنه، حينها يمكن الحكم بأنه ميت غيابيًّا.
  2. تحقق حياة الوارث بعد موت من يرث منه ولو كانت لحظة واحدة، ويندرج تحت هذا الشرط مثال حياة الجنين في بطن أمه ولو كان في المراحل الأولى من الحمل، وأيضًا يجب أن يعيش حياته خارج بطن أمه بعد الولادة ليحق له أن يرث بهذين الشرطين.
  3. اتصال سبب الإرث، مثل الزواج والقرابة وعدم انقطاع السبب، مثل انقطاع رابطة الزوجية أو أن يشوب السبب مانع يمنع حقه في أن يرث من المورِث.


موانع الإرث

وهي اجتماع أحد الأسباب في الوارث تمنعه بمقتضاها أن يرث حقه من المورِث رغم وجود السبب على حقه في الوراثة، وفيما يأتي توضيح لها:[٥]


1. اختلاف الدين

بمعنى أن يكون الميت على دين ومن يرثه على دين آخر، ولهذا المانع العديد من الأوجه والصور، وهي كالآتي:

  • أن يكون الوارث مسلمًا، والميت كافرًا غير مسلم.
  • أن يكون الوارث كافرًا غير مسلم، والميت مسلمًا.
  • أن يكون الوارث كافرًا، والميت كافرًا من ملة أخرى أي اختلاف في ملة الكفر، كما قال بعض العلماء إن الكفر ثلاث ملل وهي: اليهودية، والنصرانية، وما دون ذلك من ملل.

أما حكم هذه الصور الثلاثة فهي تحريم التوارث؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لَا يَرِثُ المُسْلِمُ الكَافِرَ، وَلَا يَرِثُ الكَافِرُ المُسْلِمَ"،[٦] وكذلك في الحالة الثالثة يمنع الحق في الإرث لاختلاف ملة الكفر نسبةً لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التوارث بين أهل ملتين مختلفتين.


2. القتل

يعرف القتل بأنه إزهاق للروح، كما أن حكم القاتل في الشريعة الإسلامية هو القصاص للقاتل العمد، ولكن القتل له أوجه عديدة منها القتل العمد، والقتل شبه العمد، والقتل الخطأ، ومن الضروري أن نشير إلى أن القاتل لا يرث المورِث في جميع حالات القتل وأنواعه؛ فلو قتل الرجل أباه عن طريق الخطأ ولم يحكم عليه بالقصاص نتيجة الخطأ إلا أنه يسقط عنه الحق في المطالبة بالإرث رغم وجود السبب في الإرث، وهي رابطة النسب.


3. الرق

والقصد هنا أن يكون الوارث من الرقيق أي من العبيد، فيمنع عنه الحق في الإرث رغم وجود السبب في حقه من الميراث مثل النسب والزواج، والسبب في ذلك أن العبد قد سقطت حريته وملكية ماله، وجميع حقوقه هي ملك لسيده، فالمال الذي يستحقه من حقه في الإرث يملكه سيده وليس العبد، لذلك مُنع الوارث من حقه في الإرث في حال كان من العبيد المملوكين بالكامل لسيدهم فهم لا يرثون ولا يُورِثون أي تركة.

المراجع

  1. سورة النساء، آية:7-8
  2. "نظام المواريث في الإسلام له حكم عظيمة "، إسلام ويب. بتصرّف.
  3. "أحكام الإرث في شريعة الإسلام "، إسلام ويب. بتصرّف.
  4. "أحكام المواريث"، الألوكة الشرعية. بتصرّف.
  5. "موانع الإرث"، إسلام ويب. بتصرّف.
  6. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أسامة بن زيد ، الصفحة أو الرقم:1614، صحيح.