الشورى في الإسلام

اهتم الإسلام بكل ما يتعلق بالمسلم اهتمامًا شديدًا، وقد حرص على غرس المبادئ التي يشعر من خلالها الفرد المسلم بمكانته وكرامته بين أبناء المجتمع الذي يعيش فيه، ومن أهم هذه المبادئ التي يحرص الدين الإسلامي على غرسها في المسلم هو مبدأ الشورى، لذلك فقد تناول القرآن الكريم مبدأ الشورى، ونزلت سورة كاملة باسم الشورى، كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم التزاموا بهذا المبدأ، ويمكننا الاقتداء برسولنا الكريم وتطبيق مبدأ الشورى في كل الأمور التي لم يرد فيها نص بكيفية التعامل معها، لا في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية الشريفة، أما ما نزل تفصيل بكيفية التعامل معه في القرآن الكريم أو السنة النبوية الشريفة، فلا مجال للشورى فيه؛ وذلك لأن الهدف من الشورى هو تحري الصواب، ولا حاجة لذلك في حال وجود نص صريح يرشدنا إلى الصواب،^[١] وفي مقالنا هذا سنتعرف على معنى الشورى، كما أننا سنذكر مظاهر اهتمام القرآن الكريم بهذا المبدأ، وسنذكر بعضًا من مواقف الرسول صلى الله عليه وسلم في تطبيقه مبدأ الشورى.

تعريف الشورى

تعرف الشورى في اللغة بأنها طلب الرأي والنصيحة،^[٢] أما في الاصطلاح فيقصد بها محاولة الجمع بين الآراء الأكثر تكرارًا حول قضية معينة ومهمة، وذلك للوصول إلى الرأي الأكثر صوابًا وصحة من بين مجموعة من الآراء الكثيرة والمختلفة،^[٣] والشورى أمر من الله سبحانه وتعالى، وهي ليست حكمًا أو أمرًا من حاكم، بل إنها حق أصيل لكل إنسان في جميع الأماكن والأوقات، وتعد الشورى من أهم الصفات التي يجب أن يتصف بها الفرد في المجتمع المسلم، إذ إنها تسمح بتداول الآراء والأفكار بين الناس ضمن إطار إيماني، كما أن الشورى تهدف إلى الوصول للحق والصواب في الأمور التي لم يرد فيها نص شرعي في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.^[٤]

اهتمام القرآن بالشورى

إن الله سبحانه وتعالى ذكر الشورى في القرآن الكريم في موضعين؛ وكل موضع منهما له دلالة قوية على أهمية الشورى، وفيما يأتي عرض للموضعين:^[١]

1. الموضع الأول ذُكر في سورة آل عمران في الآية 159، إذ قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ"^[٥]، وهذه الآية تدل على وجوب الشورى، خصوصًا أنها نزلت بعد غزوة أحد في ظروف كان تبين خطأ الرأي الذي أُخِذ به في المعركة.
2. الموضع الثاني ذُكر في سورة الشورى آية 36-38 فقد قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: "فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ * وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ"،^[٦] والذي يتأمل هذه الآيات ويقرأ تفسيرها يجد أن الإسلام اهتم بالشورى وذكرها على أنها صفة من صفات الفرد المسلم، كما أنها جاءت بين ركنين من أركان الإسلام وهما الصلاة والزكاة، وهذا يدل على أهمية الشورى وعلى أنها أساسية مثل هذين الركنين.

تطبيق الرسول للشورى

إن الرسول صلى الله عليه وسلم هو القدوة الحسنة لأصحابه رضي الله عنهم وللأمة الإسلامية جمعاء، فقد كان النبي صلى الله عليه ويسلم يطبق مبدأ الشورى في الأمور كلها؛ إذ شاور النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في غزوة بدر الكبرى؛ بدءًا من طلب المشورة بشأن المشاركة في هذه الغزوة، وانتهاءً بمشاورة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه رضي الله عنهم بشأن أسرى بدر، ومن أعظم ما حدث في تلك المشورة أنه صلى الله عليه وسلم اهتم اهتمامًا شديدًا برأي الأنصار بشأن خروجه لملاقاة قريش أو انتظارهم؛ وذلك لأنهم الأكثر عددًا، كما أنهم بايعوه صلى الله عليه وسلم في بيعة العقبة على حمايته ونصرته إذا جاء إلى المدينة.

عند الحديث عن تطبيق الرسول للشورى لا بد من الإشارة إلى أخذه صلى الله عليه وسلم بمشورة الصحابي الجليل الحباب بن المنذر، فحين خرج صلى الله عليه وسلم بصحابته مريدًا قتال قريش، نزل بهم في مكان قبل بئر ماء، فسأله الحباب إن كان ذلك بأمر من الله أم أنه اجتهاد، وحين علم الحباب بأنه اجتهاد منه صلى الله عليه وسلم استأذنه بتغيير المكان بالقرب من بئر الماء؛ وذلك ليشربوا منه ويمنعوا المشركين من الاقتراب منه أو الشرب، وما كان من رسول الله إلا أن طبق ما قاله الحباب لما رأى أنه يصب في مصلحة المسلمين.^[١]