التسامح خلقٌ رفيعٌ، حثّت عليه الشريعة الإسلاميّة ورغّبت فيه، وله فضلٌ ونفعٌ عظيمٌ يعود على الفرد المتخلّق به وعلى من حوله، وآتيًا في هذا المقال بيانٌ معنى التسامح في الإسلام وأبرز أنواعه ومظاهره.


أنواع ومظاهر التسامح

يعرّف التسامح في الاصطلاح الشرعيّ بأنّه بذل الإنسان ما لا يجب عليه تفضُّلًا من اللين واليسر في التعامل والجود والعطاء ورفع المشقة ونحوها،[١] وأمّا أنواع ومظاهر التسامح فتتمثّل في جوانب عدَّةٍ، وآتيًا بيانها.[٢]


التسامح في العبادات

إنّ التيسير والتسهيل أصلٌ في الإسلام، وآتيًا بيانٌ لبعض مظاهر التيسير في العبادات:[٢]

  • من التيسير أن يتيمّم المريض إذا كان متعذرًا عليه استخدام الماء، سواءً في مرضٍ أو سفرٍ، وسواءً كان حدثًا أصغر أو أكبر؛ فالتيمّم جائزٌ لأعذارٍ ثلاثةٍ، وهي: المرض والسفر وتعذر الماء، وهذا مظهرٌ من مظاهر التيسير في العبادات، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا).[٣]
  • ومن التيسير أيضًا أنّ الله تعالى رخّص للمسافر أن يفطر مع أنّه أقوى على الصيام من المريض، قال تعالى: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ).[٤]
  • ومن التيسير جواز أكل الطعام المُحرَّم للضرورة بالقدر الذي تزول به الضرورة؛ كالمضطر المشرف على الهلاك ولم يجد ما يأكله؛ فله أكل المحرّم بالقدر الذي يبقيه على قيد الحياة.
  • ومن تيسير الشريعة أنّها خيّرت المُحرِم بحجٍّ أو عمرةٍ بين الذبح وصيام ثلاثة أيّامٍ أو إطعام ستّة مساكين، وذلك إن ارتكب بعض محظورات الإحرام، قال تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ).[٥]
  • ومن تيسير الشريعة أنّ الحجّ لا يجب إلّا مرَّةً واحدةً في العمر؛ إذ لو وجبت كلّ عامٍ؛ لشق ذلك على الناس؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّه قال: "خَطَبَنَا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: أَيُّهَا النَّاسُ قدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الحَجَّ، فَحُجُّوا، فَقالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يا رَسولَ اللهِ؟ فَسَكَتَ حتَّى قالَهَا ثَلَاثًا، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: لو قُلتُ: نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَما اسْتَطَعْتُمْ، ثُمَّ قالَ: ذَرُونِي ما تَرَكْتُكُمْ، فإنَّما هَلَكَ مَن كانَ قَبْلَكُمْ بكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ علَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بشيءٍ فَأْتُوا منه ما اسْتَطَعْتُمْ، وإذَا نَهَيْتُكُمْ عن شيءٍ فَدَعُوهُ".[٦]


التسامح في المعاملات

حثّ الإسلام على التسامح في التعاملات ورغب فيه، ومن صور التسامح في المعاملات ما يلي:[٢]

  • قال تعالى: (أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ)،[٧] فمن تيسير الشريعة أن الله تعالى أكرم الأمّة الإسلاميّة بالقصاص؛ ليأخذ أهل المقتول حقّهم، كما جعل لهم الحقّ في التنازل عن القصاص مقابل الدية ولهم العفو كذلك والتنازل عن حقّهم.
  • جاءت الشريعة حاثةً على معاملة الناس بعضهم لبعض بالعفو، ورتّبت عليه الأجر والمثوبة، كما دعت الشريعة إلى كظم الغيظ، ومن ذلك قول الله تعالى: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)،[٨] ما رُويَ عن أنس بن معاذ -رضي الله عنه- عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: "من كظمَ غيظًا وَهوَ يستطيعُ أن ينفذَه دعاهُ اللَّهُ يومَ القيامةِ علَى رءوسِ الخلائقِ حتَّى يخيِّرَه في أيِّ الحورِ شاءَ".[٩]


التسامح مع الأديان الأخرى

فقد حثّ الشريعة الإسلاميّة على حسن التعامل مع غير المسلمين المُعايشين للمسلمين، وحفظت لهم حقوقهم، وحرّمت الاعتداء على أنفسهم وأموالهم ما داموا مسالمين غير معتدين، وقد جاءت أحاديث نبويّة كثيرةٌ تحثّ على حسن معاملة غير المسلمين، ومن ذلك ما رواه بعض الصحابة -رضي الله عنهم- عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: "ألا من ظلَم مُعاهَدًا أو انتقصَه، أو كلَّفه فوقَ طاقتِه، أو أخذ منه شيئًا بغيرِ طيبِ نفسٍ؛ فأنا حجيجُه يومَ القيامةِ"،[١٠] وحتى في زمن الخلفاء الراشدين -رضي الله عنهم- ومن بعدهم، كان المسلمون يعيشون مع غير المسلمين في مجتمعٍ واحدٍ بتسامحٍ، آمنين على أنفسهم وأموالهم، وحقوقهم محفوظةٌ.[٢]


المراجع

  1. "التسامح مظاهره وآثاره"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 9/12/2021.
  2. ^ أ ب ت ث "التسامح مظاهره وآثاره"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 9/12/2021. بتصرّف.
  3. سورة النساء، آية:43
  4. سورة البقرة، آية:184
  5. سورة البقرة، آية:196
  6. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة ، الصفحة أو الرقم:1337، صحيح.
  7. سورة البقرة، آية:178
  8. سورة آل عمران، آية:134
  9. رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن معاذ بن أنس، الصفحة أو الرقم:2021، صحيح.
  10. رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، الصفحة أو الرقم:3006، حسن.