نظّمت الشريعة الإسلاميّة أحكام التركة وكيفيّة توزيعها، وما يدخل ضمنها ويتعلّق بها من حقوقٍ، وفيما يلي تعريفٌ بالتركة ومضامينها وأحكامها، والحقوق المتعلّقة بها.


ما هي التركة؟

معنى التركة لغةً

التركة في اللغة ما يتركه الإنسان المتوفَّى ويخلّفه وراءه، وتُجمع على تَرِكات، تِرْكات.[١][٢]


معنى التركة اصطلاحاً

إنّ للتركة في الاصطلاح الشرعيّ تعريفاتٌ متقاربةٌ عرّفها بها الفقهاء، منها:

  • عرّف جمهور الفقهاء التركة بأنّها جميع الأموال والحقوق الثابتة المطلقة التي يتركها الميت خلفه، بغضّ النظر عن إذا كانت هذه الحقوق متعلِّقةً بأعيان التركة أو متعلِّقةً بأموال هذه التركة، وهذا يعني أنّ التعلّق يكونبذمّة المتوفّى وليس بالتركة ذاتها.[٢]
  • عرّف الحنيفة التركة بأنها: "ما يتركه الميّت من الأموال صافيةً عن تعلُّقِ حقّ الغير بعين هذه الأموال".[٣]
  • تُعرّف التركة وفق ما عليه التعامل اليوم بأنّها ما يتركه الميّت بعد موته من مالٍ ومتاعٍ أو عقارٍ أو أيّ أمرٍ آخر كان يملكه أثناء حياته، أمّا ما يتعلق بالحقوق التي قد تُمنح للمتوفّى بعد وفاته من قِبل الجهات الرسميّة؛ فإنّها لا تُعدّ من قبيل التركة، بل تُعدّ كفالةً من هذه الجهات لأهل المتوفّى الذي كان يعيلهم أثناء حياته؛ فهو مالٌ يجب صرفه عليهم لا تقسيهم بينهم على أنّه من التركة.[٤]


مضامين التركة

وتتضمن التركة جملةً من الأمور بحسب جمهور الفقهاء، آتيًا بيانها:[٢]

  1. الأموال المادية المملوكة للمتوفى: ويُقصد بها كلّ مالٍ منقولٍ للمتوفّى؛ أي كلّ ما يمكن نقله من مكانٍ إلى آخر مثل النقود بجميع أشكالها سواء كانت ورقيَّةً أم معدنيَّةً بغض النظر عن العملة سواء كان دينار أو دولار أو غيرها من العملات، وكذلك يدخل في الأموال الماديّة المملوكة المنقولة: العروض التجارية والموزونات والمكيلات وما شابه ذلك، ويدخل فيها كذلك كلّ ما هو غير منقولٍ؛ أي كلّ ما لا يمكن نقله من مكانٍ إلى آخر مثل البيوت والأراضي وما شابه ذلك.
  2. الحقوق العينيّة: مثل حقّ الشرب، وكذلك حقّ المرور، وما شابه ذلك من حقوقٍ.
  3. الحقوق الشخصيّة: مثل حقّ الشفعة، وحقّ الخيار، وحقّ الرهن.
  4. المنافع: مثل حقّ الإجارة والإعارة واللباس، وما شابه ذلك.


الحقوق المتعلقة بالتركة

يتعلّق بالتركة خمسة حقوقٍ لازمةٍ فيها، وفيما يلي توضحٌ لكلّ حقٍّ من هذه الحقوق بشكلٍ مفصَّلٍ.[٥]


مُؤَنُ تجهيز الميّت

يعدّ تجهيز الميّت بما يلزم من ماءٍ لغسله، ومن كفنٍ لتكفينه، وأجرة الغاسل، وأجرة القبر، وحافر القبر، وكلّ ما يحتاجه الميّت لتجهيزه لمراسم الدفن؛ فهذا كلّه يُعدّ حقًّا من الحقوق المتعلّقة بالتركة.[٥]


الحقوق المتعلقة بعين التركة

وهذا الحقّ يتقدم على الحقّ السابق، ويتمثّل بالدين الذي فيه رهنٌ ثابتٌ بالذمّة المتوفّى، وهذا ما قال به كلٌّ من الأئمّة: أبي حنيفة، ومالك، والشافعيّ، والسبب في ذلك؛ أنّها حقوقٌ متعلّقةٌ تعلقه بعين المال وذاته.[٥]


الديون المرسلة

أمّا الديون المرسلة فهي الديون التي لا تتعلّق بعين التركة، بل هي ديونٌ تشغل ذمّة المتوفّى دون أن يكون هناك رهنٌ، بغض النظر عن الجهة الدائنة للمتوفى، ومثال الديون المرسلة: ترتب الزكاة والكفارّة والقروض النقديّة التي أخذها من الناس أو ديون مبيعاتٍ وما شابه ذلك، كما أنّ الدين المترتّب على المتوفّى يتقدّم على الوصية؛ لما رواه كلٌّ من ابن ماجه والترمذي وأحمد عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنّه قال: "قضى رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ بالدَّينِ قبلَ الوصيَّةِ، وأنتُمْ تقرءونَها مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ وإنَّ أعيانَ بَني الأمِّ ليتوارثونَ دونَ بَني العلَّاتِ"،[٦] ويتبيّن لنا من الحديث النبويّ أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قام بسداد الدَّين قبل الوصية؛ إذ إنّ الدَّين هو أمرٌ واجبٌ على الميّت، فلا بدّ من قضائها، على عكس الوصيّة التي تُعدّ تبرُّعًا من الميت، والواجب أولى من التبرّع ومقدَّمٌ عليه، أمّا عن الحكمة من تقديم الله -سبحانه وتعالى- لذكر الوصية على ذكر الدَّين في الآية الكريم: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ)؛[٧] لأنّ الدَّين واجبٌ بينما الوصيّة تبرُّعٌ؛ والتّبرع من الممكن أن يتساهل فيه الورثة فلا يؤدّونه، على خلاف الدَّين الذي وجب عليهم تأديته.[٥]


الوصية لغير وارثٍ في حدود الثلث أو أقلّ

وفيما يلي بيانٌ لجملةٍ من الأمور المتعلِّقة بالوصية كحقٍّ من حقوق التركة:[٥]

  • إنّ الوصيّة الُموصَى بها لوارثٍ محرَّمةٌ، وهذا معروفٌ لا خلاف فيه سواء كانت الوصيّة بكثيرٍ أو قليلٍ، والسبب في حرمة الوصيّة لوراثٍ؛ أنّ الله -سبحانه وتعالى- قد قسّم الفرائض ووضع لها حدودًا؛ فقال الله -سبحانه وتعالى- في كتابه الكريم: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ* وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ)،[٨] ويتبيّن من الآية السابقة أنّ الوصيّة للوراث فيها تعدٍّ على حدود الله -سبحانه وتعالى- التي وضعها، وفيها زيادةٌ لأحد الورثة عن الحدّ الذي وضعها الله تعالى، كما روى أبو أمامة الباهلي -رضي الله عنه- عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: "إنّ اللهَ قد أعطى كلَّ ذي حقٍّ حقَّه فلا وصيَّةَ لوارثٍ".[٩]
  • إنّ الوصيّة لشخصٍ غير وارثٍ جائزةٌ بشرط ألّا تزيد عن الثلث، حتّى أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قد عدّ الثلث كثيرًا إلّا أنّه جائزٌ، فإن زاد مقدار الوصيّة عن الثلث لم تقبل الزيادة؛ لما في ذلك من إضرارٍ بالورثة، ودليل ذلك ما رواه ابن عباسٍ -رضي الله عنهما- عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: "لَوْ غَضَّ النَّاسُ إلى الرُّبْعِ، لأنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: الثُّلُثُ والثُّلُثُ كَثِيرٌ أوْ كَبِيرٌ".[١٠]


نصيب الورثة من الإرث

يبدأ توزيع الميراث على المستحقّين له بإعطاء أصحاب الفروض، وما تبقى يكون للعصبة، فإن لم يكن هناك عصبةٌ فيكون لذوي الفروض بقدر كلّ فرضٍ إلا الزوجين، وإذا لم يكن للميّت أصحاب فروضٍ ولا عصبة؛ فيكون الميراث لذوي الأرحام، بدليل قول الله -سبحانه وتعالى- في كتابه الكريم: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ)،[١١] وفي حال لم يكن للميّت وراثٌ؛ فيتمّ وضع المال في بيت مال المسلمين، ويتمّ صرفها في ما يحقّق مصالح المسلمين العامّة،[٥] وإنّ الأصل أن يبادر الورثة في تقسيم الميراث وألّا يتأخّروا في تقسيمه بينهم، إلّا أنّه لا بأس بالتأخير في حال اتّفق جميع الورثة وتراضوا على ذلك، وكان جميعهم بالغين عاقلين.[١٢]

المراجع

  1. "تعريف و معنى التركة في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 26/11/2021.
  2. ^ أ ب ت "التركة والحقوق المتعلقة بها "، الألوكة، 17/6/2017، اطّلع عليه بتاريخ 26/11/2021. بتصرّف.
  3. مجموعة من المؤلفين، كتاب فقه المعاملات، صفحة 45.
  4. "ما هي التركة؟ "، طريق الإسلام ، 6/10/2009، اطّلع عليه بتاريخ 26/11/2021. بتصرّف.
  5. ^ أ ب ت ث ج ح " الحقوق المتعلقة بالتركة "، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 26/11/2021. بتصرّف.
  6. رواه الألباني ، في صحيح ابن ماجه ، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم:2212، حسن.
  7. سورة النساء، آية:12
  8. سورة النساء، آية:13-14
  9. رواه الألباني، في صحيح ابن ماجة، عن أبي أمامة الباهلي، الصفحة أو الرقم:2210 ، صحيح.
  10. رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم:2743 ، صحيح.
  11. سورة الأنفال، آية:75
  12. " تأخير تقسيم التركة "، إسلام ويب، 27/7/2020، اطّلع عليه بتاريخ 26/11/2021. بتصرّف.