إن بر الوالدين والإحسان إليهما جاء مؤيدًا بنصوص شرعية من القرآن والسنة، وكان مذكورًا مع أعظم شيء في الإسلام وهو عبادة الله عز وجل، وذلك في قوله سبحانه وتعالى: "وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚإِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا" [١]، وبناءً على ذلك حاز الوالدان مكانة عالية ودرجة مرتفعة في الإسلام، ونحن متفقون على ذلك، لكن الاختلاف يتمحور حول مفهوم الطاعة؛ فهل تجب الطاعة المطلقة للوالدين بسبب تلك المكانة؟ في الحقيقة، إن الإجابة على هذا السؤال هي لا، لا تجب الطاعة المطلقة للوالدين، بل هي مقيدة بأن يكون الأمر صوابًا وألا تكون فيه أذية للابن وأن يكون من حاجات الوالدين، أما عن الأسباب التي تجعل للوالدين تلك المكانة مع وجوب البر والإحسان فسنعرضها في هذا المقال.


1. أمر من الله عز وجل

إن بر الوالدين والإحسان إليهما جاء بأمر صريح من الله عز وجل في الآية المذكورة في مقدمة المقال، ولم يكن هذا البر مقيدًا بحال الوالدين من الإسلام أو الكفر بل جاء مطلقًا باشتراط المصاحبة والطاعة بالمعروف، وبذلك يكون البر والإحسان واجبًا بحق الوالدين لأن الله عز وجل أمر بذلك؛ لما لهما من فضل في إيجاد الابن ورعايته بعد الله عز وجل، والاهتمام بشؤونه كلها دون كلل أو ملل أو شرط. [٢]


2. وصية من الله عز وجل

أوصانا الله عز وجل بالوالدين في كتابه الكريم: "وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ" [٣]، ومن الجدير بالذكر أن هذه الآية عرضت حال الوالدين المشركين بعد وصية الله بهما، وهذا دليل على وجوب الإحسان إلى الوالدين على اختلاف حالهما كما ذكرنا في النقطة السابقة، وبالتالي فإن وصية الله لنا بالوالدين من موجبات برهما والإحسان إليهما.[٤][٢]


3. الأحق بحسن الصحبة

يميل الإنسان بطبعه إلى ملاطفة أصدقائه والإحسان إليهم والاطمئنان عن أحوالهم، والوالدان هما الأحق بحسن الصحبة تلك، وقد ورد ذلك في حديثه صلى الله عليه وسلم الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه: "جَاءَ رَجُلٌ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، مَن أحَقُّ النَّاسِ بحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قالَ: أُمُّكَ، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أبُوكَ" [٥]، وبناء على ذلك كان الوالدان أولى بالصحبة الحسنة مع ابنهما. [٦]


4. العقوق من الكبائر

إن عقوق الوالدين يعد كبيرة من الكبائر، والكبائر هي أعظم الذنوب عند الله، ودليل ذلك ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: "الكَبائِرُ: الإشْراكُ باللَّهِ، وعُقُوقُ الوالِدَيْنِ، وقَتْلُ النَّفْسِ، واليَمِينُ الغَمُوسُ" [٧]، ولما كان العقوق من الكبائر كان البر واجبًا، ومن الضروري الحرص على أن يكون المسلم بارًّا بوالديه على أكمل وجه ليكون أبعد ما يكون عن العقوق. [٢]


المراجع

  1. سورة الإسراء، آية:23
  2. ^ أ ب ت "بر الوالدين"، الألوكة الشرعية. بتصرّف.
  3. سورة العنكبوت، آية:8
  4. "بر الوالدين"، صيد الفوائد. بتصرّف.
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:5971.
  6. "بِرُّ الوالدين في مِشكاة النبوة"، إسلام ويب. بتصرّف.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:6675.