حث الدين الإسلامي على التخلق بالأخلاق الحميدة، ومن أهم هذه الأخلاق التسامح، كما أن الله تعالى أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بأعلى مراتب التسامح وهو الصفح، فقال الله سبحانه وتعالى: "فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" [١]، ومن النعم التي أنعمها الله سبحانه وتعالى على المسلمين هي إرسال النبي محمد صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، ومن أهم مظاهر هذه الرحمة التسامح، وقد ظهر خلق التسامح في جميع جوانب الحياة عند النبي صلى الله عليه وسلم من خلال تعامله مع الناس من مسلمين وغير مسلمين.

فالتسامح من الفعل سمح، يقال سمح وأسمح إذا جاد وأعطى عن كرم وسخاء،[٢] والتسامح اصطلاحاً هو مصطلح شامل يعني العفو عن المسيء وعدم رد الإساءة خصوصًا إذا كان المتسامح قادرًا على رد الإساءة، وتندرج تحت مفهوم التسامح العديد من الأخلاق، وأهم هذه الأخلاق هو العفو، والإحسان، والصفح، والعطف [٣]


يرتبط التسامح ارتباطًا شديدًا بأصل الدين الإسلامي، فالدين الإسلامي يقوم أساسًا على مبدأ التسامح، وقد تكرر ذكر التسامح كثيرًا في الأحاديث بصفة ملازمة لأصل الدين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ" [٤]، وسيختص مقالنا بالحديث عن التسامح مع غير المسلمين. [٥]


مواقف من التسامح مع غير المسلمين

أتاح الدين الإسلامي القبول للناس من مختلف الديانات لدرجة أن أحد بنود معاهدة المسلمين مع اليهود والنصارى في المدينة المنورة يكفل حق حرية الديانة لكل منهم، وإن خير ما يعكس كيفية التسامح مع غير المسلمين هو المواقف من السيرة، لذلك سنعرض أهمها فيما يأتي:


التسامح مع أهل الكتاب والمشركين في الحرب

إن التسامح في الدين الإسلامي لا يقتصر فقط على المسلمين، بل يضم غير المسلمين من كافة الأديان، ففي أثناء الحروب كان النبي صلى الله عليه وسلم يستوصي خيرًا بأهل البلاد من غير المسلمين، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك: "إنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ أرْضًا يُذْكَرُ فيها القِيراطُ، فاسْتَوْصُوا بأَهْلِها خَيْرًا، فإنَّ لهمْ ذِمَّةً ورَحِمًا، فإذا رَأَيْتُمْ رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ في مَوْضِعِ لَبِنَةٍ، فاخْرُجْ مِنْها. قالَ: فَمَرَّ برَبِيعَةَ، وعَبْدِ الرَّحْمَنِ، ابْنَيْ شُرَحْبِيلَ ابْنِ حَسَنَةَ، يَتَنازَعانِ في مَوْضِعِ لَبِنَةٍ، فَخَرَجَ مِنْها" [٦]، والمقصود بالقيراط هو جزء من الدرهم والدينار وغيرهما، أما المقصود بالذمة فهي الحرمة والحق، فهذا الحديث يوضح لنا مظهرًا من مظاهر تسامح المسلمين مع غير المسلمين في أثناء الحرب، فقد وضع الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه قواعد وقوانين ليلتزموا بها في أثناء الحرب، وطلب منهم أن يوصوا بعضهم بالإحسان إلى أهل الأرض التي سيفتحونها.


التسامح مع اليهود

عندما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، وجد فيها يهودًا ومشركين مستقرين، فلم يفكر الرسول صلى الله عليه وسلم بوضع خطة لطردهم من المدينة المنورة، بل عرض على الفريقين أن يعقد معاهدة معهم، ومن أهم بنود المعاهدة أن اليهود لهم دينهم والمسلمين لهم دينهم، كما ينفق اليهود مع المسلمين ما داموا في حرب، ومن بنود المعاهدة أيضًا أن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم، وأن بينهم النصح والنصيحة، إلى جانب الكثير من البنود التي ذكرت في المعاهدة والتي تدل وتشير إلى أن دين الإسلام وهو دين التسامح. [٧]


المراجع

  1. سورة سورة المائدة، آية:13
  2. ابن الاثير ،ابو السعادات، النهاية في غريب الحديث، صفحة 398.
  3. الدكتور محمود بن أحمد الدوسري (11/9/2019)، "خلق التسامح"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 27/7/2021. بتصرّف.
  4. رواه ابن باز ، في مجموع فتاوى ابن باز، عن أبو أمامة الباهلي، الصفحة أو الرقم:228/2.
  5. حكمت بشير ياسين، سماحة الاسلام في التعامل مع غير المسلمين، صفحة 4. بتصرّف.
  6. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم:2543.
  7. أ. د. عمر بن عبدالعزيز قريشي (14/5/2013)، " التسامح بين الإسلام واليهودية والمسيحية"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 27/7/2021. بتصرّف.