إن المتأمل للإسلام وتعاليمه يجد أن التسامح جزء لا يتجزأ من الإسلام؛ فقد ذكر التسامح في الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية على أنه من الصفات الأساسية للمؤمنين، كما في قوله تعالى: "فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ" [١]، ولمّا كانت للتسامح تلك الأهمية الكبيرة والمنزلة الرفيعة كان لا بد من وجود خطوات واضحة يمكن أن نلخص من خلالها الإجابة على سؤال: كيف حث الإسلام على التسامح، ونحن في هذا المقال سنعرض بدورنا إجابة على ذلك السؤال. [٢]


1. كفالة الحرية الدينية لغير المسلمين

وهذا من مظاهر التسامح مع غير المسلمين ما داموا لا يحاربون المسلمين، ويمكننا الاستدلال على ذلك بالعديد من الآيات القرآنية، ومنها قوله تعالى: "لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ" [٣]، وهذا يدل على تسامح كبير من المسلمين مع غيرهم وهو خير ما يعكس التسامح؛ فهو بذلك لم يقيده ولا حتى بالدين، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على أن التسامح مبدأ غير مقيد في الإسلام إلا بما يهدد حقوق المسلمين وأمنهم. [٤]


2. النهي عن مجادلة أهل الكتاب

ويظهر ذلك في قوله تعالى: "وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" [٥]، وفي هذه الآية أمر بتجنب الغلظة والشدة والجدال لأجل الجدال مع أهل الكتاب، كما تعكس الآية ضرورة التعامل مع أهل الكتاب باللطف واللين ومجادلتهم بالحكمة والموعظة الحسنة لإظهار الحق دون إجبارهم على شيء أو التقليل من عقيدتهم، وقد وردت في ذلك آية أخرى: "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ". [٦][٤]


3. جَعْل العفو والتسامح من الإحسان

لا يطيق كل البشر أن يتعاملوا مع المسيء بإحسان، وهذا مطابق لما جاء في قوله تعالى: "وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ" [٧]، وتوضح هذه الآية أن الأصل هو رد الإساءة بمثلها، لكن التسامح في موضع الإصلاح من الأفعال التي يؤجر عليها المسلم، ومن الضروري الإشارة في هذا السياق إلى أن التسامح ليس مطلوبًا دائمًا، فبعض المواقف لا تسامح فيها كأكل الحقوق والإساءة المتعمدة وغيرها مما لا تطيقه النفس، إذ يشترط أن يكون التسامح عن طيب نفس وليس بقهر النفس وإجبارها على التسامح في غير موضعه. [٨]


4. تخصيص أجر للعفو

لما كان العفو والتسامح من الأعمال المهمة والصعبة على النفس، كان لا بد من الترغيب إليها ببيان أجرها العظيم، ولا يوجد ما هو أعظم من أن يأخذ المسلم الأجر من الله عز وجل، وقد قال عز وجل في ذلك: "فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّه" [٩]، وفي ذلك ترغيب كبير بالأجر ودعوة إلى العفو والإصلاح والتسامح بين الناس. [٤]


5. ذكر الغفران والتسامح من صفات المؤمنين

فقد جاء في سورة الشورى وصف للذين آمنوا، وذكر منه: "وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ" [١٠]، وإن ذكر المسامحة عند الغضب كصفة لازمة من صفات المؤمنين وإقرانها باجتناب الفواحش، فيه تأكيد كبير على أهمية هذه الصفة، وعلى ضرورة اتصاف كل مسلم بها حتى يكتمل إيمانه، فكما أن اجتناب الكبائر شرط للإيمان فغن المغفرة وطيب النفس شرط أيضًا. [٢]


المراجع

  1. سورة الشورى، آية:40
  2. ^ أ ب "حقيقة التسامح في دين الإسلام"، موقع الشيخ محمد صالح المنجد . بتصرّف.
  3. سورة الكافرون، آية:6
  4. ^ أ ب ت "التسامح في الإسلام"، الألوكة الشرعية. بتصرّف.
  5. سورة العنكبوت، آية:46
  6. سورة النحل، آية:125
  7. سورة الشورى، آية:40
  8. "التسامح النبوي"، إسلام ويب. بتصرّف.
  9. سورة الشورى، آية:40
  10. سورة الشورى، آية:37