صفة النزاهة

يجب الاهتمام بصفة النزاهة على المستوى الشخصي والدولي، فالكثير من المؤسسات تهتم بعملية المراقبة والمحاسبة للقائمين والعاملين، ومن هنا تتضح أهمية اتصاف العاملين والناس جميعًا بصفة النزاهة، لذلك سنخصص هذا المقال للحديث عن النزاهة ومدى وجوب التزام المسلم بهذه الصفة الكريمة، كما سنتناول هذه الصفة من البعُد الديني والإسلامي، والتي تؤثر على الأبعاد الأخرى الاجتماعية والاقتصادية وغيرها.^[١]

تعريف النزاهة

النزاهة لغة مصدر نَزُهَ، وتعني البعد عن الشبهات وترك السوء،^[٢] أما اصطلاحًا فللنزاهة معاني كثيرة، ومن أهم هذه المعاني، الحصول على المال من غير أن يُذل الإنسان أو يُهان، وإنفاق هذا المال في أوجه الخير، كما عرفت النزاهة بالابتعاد عن السوء والشر.^[٣]

فوائد النزاهة

إن التحلي بصفة النزاهة له فوائد عديدة وكثيرة تتجاوز من يتحلى بها لتصل إلى المجتمع كله، وفيما يأتي عرض لأهم هذه الفوائد:^[٤]

1. حفاظ الإنسان النزيه على علاقة قوية بالله عز وجل، لأن النزيه دائم الاستحضار لوجود الله عز وجل ولرقابته، وبذلك يبتعد الإنسان المسلم عن جميع الأمور التي لا ترضي الله سبحانه وتعالى؛ وذلك خوفًا من الوقوع في الحرام، وخوفًا من غضب الله سبحانه وتعالى.
2. اكتساب محبة الناس وثقتهم، خصوصًا عندما ينزه الإنسان نفسه ويترفع عما في أيدي الناس، ويسعى إلى حفظ ما في أيديهم.
3. زيادة التقوى لدى الإنسان المسلم النزيه؛ لأن النزيه يتحرى الخير والحلال في أموره كلها.
4. زيادة محبة الله سبحانه وتعالى للإنسان المسلم النزيه.

أنواع النزاهة

ذهب الماوردي إلى تقسيم أنواع النزاهة إلى نوعين، وفيما يلي عرض وتوضيح لهما:^[٥]

1. النزاهة عن المطامع الدنية

ويعني أن يهذب المسلم نفسه ويدربها على تجنب كل ما يطمع به إذا كانت طريقة الحصول عليه محرمة وغير شريفة؛ كالحصول على ترقية في العمل على حساب ذم زميل مجتهد، إذ إن الطمع يعد من الأمور الذليلة والرديئة في الحياة الدنيا، فالطمع سببه الشر وعدم القناعة، والإنسان حين لا يقنع بما لديه يرغب في الحصول على المال بأكبر قدر ممكن؛ لأن باعتقاده أن هذا المال سيجلب له كل شيء يرغب به في الحياة، وعلى صعيد آخر يجب على الإنسان أن يقنع بما رزقه الله سبحانه وتعالى، ويتيقن أن كل إنسان خلقه الله سبحانه وتعالى لن يموت حتى يحصل على رزقه الذي كتبه له الله سبحانه وتعالى، لذلك يجب عليه ألا يسعى للحصول على الرزق بالطرق غير المشروعة والتي تتضمن معصية الله سبحانه وتعالى، ولهذا يجب أن ينزه الإنسان المسلم نفسه عن مطامع الحياة الدنيا خصوصًا فيما يتعلق بالمال الذي هو هدف لأغلب البشر.

2. النزاهة عن مواقف الريبة

وتعني إبعاد النفس عن المواقف التي يشوبها شك في حرمة الشيء من عدمها، وحين لا يغلب الظن على أن الأمر مباح يفضل تجنبه، وهذه درجة عالية من النزاهة، إذ إنها تبقي المسلم بعيدًا بمسافة أمان كافية عن كل ما هو محرم أو خادش للمروءة.

موانع النزاهة

قد تحول بعض السلوكات والصفات بين الإنسان وتحليه بالنزاهة، وفي ما يلي ذكر لبعض الأمور التي تمنع الشخص من أن يتصف بالنزاهة:^[٦]

1. السعي نحو مغريات الدنيا والطمع بها، وعدم وضع الآخرة بالحسبان.
2. حب كسب المال وجمعه بغض النظر عن مصدره.
3. خوف الإنسان وجبنه، فهذا يؤدي إلى تعرض الإنسان إلى المذلة والإهانة، كما يبعده عن صفة النزاهة.
4. بخل الإنسان، فالبخل يولد الطمع لديه، وبالتالي فهو عكس النزاهة ومانع لها؛ لأن البخل والطمع لا يجتمعان مع النزاهة.

كيفية اكتساب النزاهة

يمكن للمسلم أن يساعد نفسه على الالتزام بصفة النزاهة والتحلي بها بالاستعانة ببعض الوسائل التي تعينه على ذلك، وفيما يأتي عرض لأبرز تلك الوسائل:^[٧]

1. الدعاء، إذ يعد الدعاء من أهم الأمور التي تعين الإنسان على اكتساب ما يرغبه من أمور الخير.
2. السعي نحو الابتعاد عن الطمع، وتهذيب النفس على القناعة والرضا بما قسمه الله سبحانه وتعالى له.
3. اتصاف الإنسان بالعدل والجود، إذ إن الحرص على التخلق بهذه الأخلاق يساهم في اكتساب النزاهة.

الفرق بين صفة النزاهة والعفة

يقال بأن العفة والنزاهة هما خصلة واحدة لا ينفصلان عن بعضهما، ويذهب معنى العفة إلى الابتعاد عن جميع الأمور المحظورة، بينما النزاهة هي التمسك بالأمور المباحة، وهذان المعنيان معاكسان لبعضهما، بالإضافة إلى أن النزاهة تساهم في الحفاظ على المروءة والتي تعني المحافظة على الآداب العامة.^[٨][٩]

النزاهة في القرآن الكريم

لقد وردت آيات كثيرة فيها ذكر النزاهة، ومن هذه الآيات قول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: "وَثِيَابَكَ فَطَهِّر"،^[١٠] ولقد وردت الكثير من التفسيرات حول هذه الآية، ولكن ما ذهب إليه السلف في تفسيراتهم أن المقصود من هذه الآية هو طهارة القلب ونزاهته عن الآثام والذنوب والخطايا.^[١١]