حثّت الشريعة الإسلاميّة على العمل الصالح الذي يعود على الإنسان بالنفع عليه في الحياة الدنيا والآخرة، وبيّنت له طرق استثمار ماله بما يعود عليه بالأجر والثواب، كما قال النبّي صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ابنُ آدمَ انقطع عملُه إلا من ثلاثٍ: صدقةٍ جاريةٍ ، وعلمٍ ينتفعُ به، وولدٍ صالحٍ يدعو له"،[١] ولذلك اهتمّت الشريعة الإسلاميّة في توجيه وتنظيم معاملات الإنسان الماليّة الخيريّة بهدف استمرارها، ومن أوجه ذلك: طرق تنظيم الوقف؛ إذ يعرّف الوقف بأنّه حبسٌ لمالٍ عينيّ تقرّبًا لله -عزّ وجلّ- بما يعود بالنفع على عامّة المسلمين والتصدق بمنافعه بشكلٍ دائمٍ، ووضعت العديد من الضوابط للحفاظ عليه وعدم انقطاعه وتطويره،[٢] ومن شروط ذلك تعيين الواقف لمتولي الوقف، فمن متولي الوقف؟ وما هي شروط تعيينه؟


شروط متولي الوقف

يعرف متولي الوقف أو ناظر الوقف بأنّه الشخص الذي يُعيِّنُه الواقف على رعاية الوقف والمحافظة عليه، والاهتمام بشؤونه، ويجب عليه الالتزام بتنفيذ شرط الواقف، والتصرّف بما تقتضيه المصلحة، وإلا احتمل الإثم والمعصية، وتحمل كلمة الناظر أو المتولي المعنى ذاته إلّا إذا أُضيفت لغير ذات الشخص؛ أي أن يُعيّن الواقفُ المتولِّيَ، والناظر معًا، وهنا تكمن وظيفة المتولي بأنّه صاحب الولاية المباشرة على الوقف، والناظر هو المشرف عليه في أعماله ونشاطاته.[٣]

ويجب على الواقف عند تعيينه لمتولّي الوقف أن يراعي الأمور تحقُّق الشروط الآتية:[٤]

  1. الأهليّة: ويقصد بذلك أن يكون متولي الوقف بالغًا عاقلًا، لا يشوبه عيبٌ في سلامة عقله وإلا تمّ عزله؛ لأنّه مسؤولٌ عن التصرّف بما فيه مصلحةٌ للوقف، وذلك يتطلّب سلامةً في العقل والرشد.
  2. العدالة: ويقصد بذلك اجتناب كبائر الذنوب، وعدم الإصرار على صغائر الذنوب والتوبة منها.
  3. الكفاية: ويقصد بالكفاية أن تكون للمتولي قدرةٌ على التصرف في الوقف، بامتلاكه للخبرة والكفاءة الكافية التي تجعله قادرًا على رعاية الوقف.
  4. الإسلام: وقد اختلف جمهور أهل العلم حول هذا الشرط؛ فذهب الإمام أبو حنيفة إلى القول بجواز ولاية غير المسلم إذا توفّرت فيه الأهلية، والكفاية، والعدالة، ومنهم من قال بعدم جواز تولّي غير المسلم للوقف؛ لأنّ رعاية شأن الوقف ولايةٌ؛ ولا تصحّ ولاية غير المسلم على المسلم.


مسؤولية متولي الوقف

يقع على عاتق المتولي تنفيذ جميع الأعمال اللازمة لرعاية الوقف وحفظه، له حقّ المباشرة بها بشكلٍ منفردٍ، ولا يجوز لأحدٍ أن يشاركه في ذلك دون إذنه وعلمه، وبما أنّ الوقف هو مالٌ عامٌّ يستفيد منه الجهة التي وُقِفَ عليها، وإذا لم يعيِّن الواقفُ أحدًا للإشراف على أعمال المتولي؛ لضمان الشفافية، وعدم الوقوع في الفساد أو الخيانة، جاز للقاضي متابعة المتولي في أعماله ومسؤولياته، ومحاسبته وعزله إذا ثبت ما يدين المتولي في أعماله، لأنّ القاضي بمثابة الناظر العام؛ أي المشرف على الأوقاف كافّة، وله حقّ المراقبة والمحاسبة، لا حقُّ التصرّف.[٥]


المراجع

  1. رواه ابن تيمية ، في مجموع الفتاوى، عن ، الصفحة أو الرقم:191، صحيح.
  2. "الصدقة الجارية محمولة على الوقف"، إسلام ويب. بتصرّف.
  3. مجموعة من المؤلفين ، كتاب مدونة أحكام الوقف الفقهية، صفحة 324-325، جزء 2. بتصرّف.
  4. ديبان الديبان، كتاب المعاملات المالية أصالة ومعاصرة، صفحة 571 - 587، جزء 16. بتصرّف.
  5. مجموعة من المؤلفين ، كتاب مدونة أحكام الوقف الفقهية، صفحة 329، جزء 2. بتصرّف.