شرع الله -عزّ وجلّ- حقّ الميراث لورثة الميت، وجاءت النصوص الشرعيّة مبيِّنةً لنصيب كلّ وارثٍ من التركة، كما جاء في قوله تعالى: (لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً)،[١] وأمر بأداء حقوق الورثة، وحرّم منعهم من هذا الحقّ ظلمًا وبهتانًا؛ فالميراث هو حقٌّ عينيٌّ أو نقديٌّ يستوفيه الوارث بعد وفاة المورِّث،[٢] وأسباب الميراث تتمثّل في الصلة التي تربط الوارث بالمورِّث، وقد تكون هذه الصلة ناشئةً عن نسبٍ أو زواجٍ،[٣] فما هي حدود تصرف الوارث بحقه من الميراث؟ وهل يحق له التنازل عن هذا الحقّ لغيره؟ آتيًا بيان ذلك.


شروط التنازل عن الميراث

يحقّ شرعًا للوارث التنازل عن حقّه في الميراث وفق ضوابط وشروط معيَّنةٍ حدّدها الشرع، وآتيًا بيانها:[٤]

  1. الأهلية: فيجب أن يكون الوارث الذي يريد التنازل عن نصيبه في الميراث بالغًا، عاقلً،ا راشدًا؛ أي ذا قدرةٍ على تمييز مصلحته وتغليبها؛ لذا لا يُقبل التنازل عن حقّ الصغير أو المجنون؛ لعدم اكتمال أهليّتهما.
  2. الإرادة: أي أن يتنازل الوارث عن نصيبه من الميراث باختياره؛ أي بإرادته الحرّة الخالية عن الإكراه بجميع صوره؛ كإجبار الإناث عن التنازل عن حقّهنّ في الميراث بالإكراه، فلا يُقبل تنازل من كان مكرهًا على ذلك؛ لما روي عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- من قوله: "لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه".[٥]
  3. لم تشترط الشريعة الإسلامية كتابة التنازل في الميراث وتدوينه؛ لأنه ليس كسائر العقود الأخرى، إنّما هو هبةٌ خرجت من الوارث عن طيب نفسٍ منه، ولم يحمله أحدٌ على ذلك، أو أراد بذلك تحقيق مصلحة أو نفعةٍ لغيره.


الرجوع عن التنازل في الميراث

إذا تنازل أحد الورثة عن حصته في الميراث، وكان التنازل صحيحًا؛ أي كان باختيارٍ منه دون تدخُّلٍ أو إكراهٍ من أحدٍ؛ فلا يحقّ له الرجوع والمطالبة بنصيبه من الميراث بعد أن تنازل عنه؛ فقد حرّم الشرع التراجع عن الهبة والأُعطية؛ ومن ذلك ما رواه النبيّ -عليه الصلاة والسلام- في قوله: "لا يحل للرجل أن يعطي عطية أو يهب هبة فيرجع فيها إلا الوالد في ما يعطي ولده"؛[٦] فلا يجوز له الرجوع في التنازل إلّا في في أحوالٍ معيَّنةٍ، وآتيًا ذكرها:[٧]

  1. إن كان تنازل الوارث قد حصل قبل موت المورِّث؛ أي قبل أن يصبح الميراث من حقّه، وهنا يجوز له الرجوع؛ لأنّه قد تنازل عن شيءٍ ليس من ملكه في وقتها، فالتركة لا زالت ملكًا للمورِّث ما دام على قيد الحياة.
  2. إن كان قد رجع في التنازل وحصته لم توزع بعد، أي أنّ الورثة لم يقبضوها بعد؛ لأنّ من شروط نفاذ الهبة أن تُقبض؛ أي تمّ أداؤها وتسليمها، وإلّا اعتبرت وعدًا يجوز الرجوع فيه.


المراجع

  1. سورة النساء، آية:7
  2. وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، صفحة 7697. بتصرّف.
  3. "أسباب الإرث في شريعة الإسلام"، إسلام ويب، 01/06/2009، اطّلع عليه بتاريخ 06/12/2021. بتصرّف.
  4. "التنازل عن الميراث.. رؤية شرعية اجتماعية"، إسلام ويب. بتصرّف.
  5. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن حنيفة عم أبي حرة الرقاشي، الصفحة أو الرقم:7662، صحيح.
  6. رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:3539 ، صحيح.
  7. "شروط نفاذ الهبة "، إسلام ويب . بتصرّف.