قبل الحديث عن خلق التسامح لا بد من تعريفه في اللغة والاصطلاح؛ وذلك لأن المعاني اللغوية ليست منفصلة أبدًا عن الشرعية، بل إن المعنى في اللغة هو الأصل الذي يستند عليه المعنى الاصطلاحي والشرعي، والتسامح لغةً أصله من الجود والكرم، واللين والسهولة، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى" [١]، ولا نعني بالسماحة في البيع والشراء والقضاء أن نتهاون في الحقوق ونتنازل عنها، بل إن الأمر متعلق بطريقة التعامل اللبق والهين والبعيد عن تعقيد الأمور وتعسيرها، لأجل ذلك نلحظ أننا نحب التعامل مع فلان ولا نحب فلانًا؛ لأن أحدهما هيّن ليّن سمح، والآخر صعب المراس وشديد الطباع، ولنفصّل الأمر سنعرض أبرز ما يتعلق بخلق التسامح في هذا المقال. [٢][٣]


خلق التسامح

اهتم الإسلام بالأخلاق اهتمامًا بالغًا، ولم يفصلها أبدًا في الأهمية عن العبادات والشعائر، حتى أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إنما بُعِثتُ لأتمِّمَ مكارمَ الأخلاقِ" [٤]، وإن خلق التسامح من مكارم الأخلاق التي بُعث صلى الله عليه وسلم لإتمامها، ويتمثل التسامح بصور عديدة تختلف باختلاف البيئة التي يكون فيها المسلم، وفيما يأتي عرض لصور التسامح كخلق إسلامي في مختلف البيئات ومع مختلف الأشخاص: [٥]


1. التسامح بين الناس

يتمثل التسامح بين الناس بالطلاقة في الوجه، والاستبشار بلقاء الناس، والبدء بالسلام عليهم، والحديث الطيب معهم، والتغاضي عن زلاتهم، وإن من يتطبع بتلك الطباع ويتخلق بها، يرى أن الناس يحبون صحبته وعشرته؛ لأنه لا يشكل عبئًا عليهم، بل على العكس من ذلك يشعرهم بالراحة.


2. التسامح في الحياة اليومية

ويتمثل بعدم التسبب بإحراج الناس أو مضايقتهم، كتجنب التزاحم معهم في السوق أو منافستهم على موقف للسيارة، وغيرها من المعاملات اليومية البسيطة التي قد يختلف فيها الناس وتتسبب بتنازعهم.


3. التسامح مع المسيء

وهو أعلى درجات التسامح، وذلك حين يكون المسلم غاضبًا بسبب تلقيه إساءة من شخص ما إلا أنه يتسامح معه مع قدرته على رد الإساءة بمثلها، ومن الأمثلة على تلك المواقف من سير الصحابة تسامح أبي بكر مع مسطِح الذي خاض مع الخائضين في عرض ابنته عائشة رضي الله عنها، فقد كان أبو بكر ينفق على مسطح، وعزم ألا ينفق عليه بعد فعلته في حادثة الإفك، لكنه تراجع عن ذلك ليكون ممن قال فيهم الله عز وجل: "وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ" [٦]، ومن الجدير بالذكر في هذا السياق أن التسامح مع المسيء هو فضل وكرم من الشخص الذي تلقى الإساءة، وهو ليس واجبًا كما يظن البعض؛ إذ إن طبيعة النفس البشرية تقتضي الغضب من المسيء، لكن بعض الذين اصطفاهم الله يستطيعون التسامح والصفح مع قدرتهم على رد الإساءة.


4. التسامح في الحوار

يعد الحوار من الأعمال اليومية التي يكثر فيها النزاع، فقد يختلف اثنان في الرأي ويؤدي ذلك إلى نشوء خلاف بينهما، لذلك حرص الإسلام على أن يكون التسامح جزءًا مهمًّا من الحوار، ودليل ذلك ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: "أنا زعيمُ بيتٍ في ربضِ الجنةِ لمن ترك المِراءَ و إن كان محقًّا" [٧]، وفي ذلك ترغيب بالتسامح في الحوار في حال اختلاف الآراء.


المراجع

  1. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:2076.
  2. "التسامح.. معناه.. وحدوده"، إسلام ويب. بتصرّف.
  3. "التسامح/المعاني الجامع"، المعاني.
  4. رواه ابن باز، في جموع فتاور ابن باز، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:215/2.
  5. "خلق التسامح"، الألوكة الشرعية. بتصرّف.
  6. سورة الشورى، آية:37
  7. رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن أبو أمامة الباهلي، الصفحة أو الرقم:273.