إن دين الإسلام جعل الطلاق في أضيق حد ممكن، إذ إنه جعله متاحًا في حالات استحالة العشرة والسكن بين الزوجين، وصعوبة علاج المشكلات الزوجية إلا من خلال الطلاق، ويعد الطلاق ظاهرة اجتماعية منتشرة في المجتمعات كلها بغض النظر عن اختلاف الثقافات والبيئات، خصوصًا في وقتنا الحاضر، وفي مقالنا هذا سنتحدث عن أهم الأمور التي تتعلق بالطلاق.


تعريف الطلاق

يعرف الطلاق في اللغة بأنه الحل والفك والإرسال، أما في الاصطلاح فهو إنهاء عقد الزواج من خلال التلفظ بالطلاق، ويعني إنهاء العلاقة الزوجية بين الرجل وزوجته لأسباب كثيرة أباح بها الشارع الطلاق أو الترك.[١]


الحكمة من مشروعية الطلاق

أباح الله سبحانه وتعالى الزواج من أجل بناء حياة مستقرة مليئة بالمودة والرحمة والسعادة والحفاظ على النسل، وعند اختلاف المصالح وفساد النوايا من أحد الزوجين أو كليهما، أو هوان العشرة بينهما، أو بدء النزاعات والخلافات بينهما، مع استمرار الحال على ما هو عليه رغم المحاولات، فقد شرع الله سبحانه وتعالى الطلاق، إذ قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: "يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً".[٢][٣]


أركان الطلاق

للطلاق ثلاثة أركان لا يقع الزواج إلا بها، وفيما يأتي تفصيل لتلك الأركان:[٤]


1. الزوج المكلف

إذ إن المسؤول عن إيقاع الطلاق هو الزوج فقط، ولا يجوز أن يوقعه أحد غيره، ويجب أن يكون الزوج بالغًا عاقلًا غير مكره على الطلاق، فإذا كان غير ذلك لا يقع الطلاق، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رُفِعَ القلَم ُعَن ثلاثةٍ عن النَّائمِ حتَّى يَستيقظَ وعنِ الصَّغيرِ حتَّى يكبُرَ وعنِ المَجنونِ حتَّى يعقِلَ أو يفيقَ".[٥]


2. الزوجة التي ترتبط بالزوج بعقد نكاح

إذ يشترط لوقوع الطلاق أن تكون الزوجة في عصمة الزوج وغير خارجة عنه بطلاق أو فسخ أو بحكم مثل المعتد من طلاق رجعي أو طلاق بائن بينونة صغرى.


3. اللفظ الذي يدل على الطلاق

إذ إن النية لا تكفي في الطلاق دون اللفظ، بل يجب أن يكون اللفظ ملازمًا للنية، فيكون اللفظ صريحًا، ويقول الرجل لزوجته أنا طلقتك أو أنتِ طالق.


من يملك الطلاق؟

الرجل هو من يملك الطلاق فهو حق له؛ لأنه يكون أكثر حرصًا على زوجته التي أنفق ماله عليه، وعليه فإنه يكون الأكثر تأنيًا وصبرًا، كما أنه هو من يتحمل تبعات الطلاق من النفقة وغيرها، فبالتالي فإنه يحرص على اتخاذ القرار الذي يصب في مصلحتيهما، بعكس المرأة التي قد تنفعل في موقف معين وتطلب الطلاق دون أن تفكر أو تنظر إلى الأمور من الجوانب جميعها، ومن الضروري أن نشير هنا إلى أن الطلاق يقع من الرجل البالغ العاقل المختار؛ فلا يقع من مكره أو سكران أو غاضب لا يعلم ما يقول.[٦]


صور الطلاق

إن صور الطلاق مرتبطة بتنفيذه؛ وعليه فإنه قد يكون منجزًا أو مضافًا أو معلقًا، وفيما يأتي توضيح لذلك:[٧]

  1. الطلاق المنجز: إذ يقول الزوج لزوجته أنت طالق أو أنا طلقتك، ويقع هذا الطلاق حال قول ذلك؛ لأنه غير مقيد بأمر ما.
  2. الطلاق المضاف: إذ يقول الزوج لزوجته أنت طالق غدًا، أو بعد شهر أنت طالق، ولا يقع هذا الطلاق إلا بعد مرور الأجل.
  3. الطلاق المعلق: إذ يعلق الزوج وقوع هذا الطلاق على شرط معين، وينقسم هذا النوع من الطلاق إلى نوعين؛ النوع الأول الذي يقصد به دعوة الزوجة إلى فعل أمر ما أو ترك فعله، كأن يقول لها إذا ذهبت إلى السوق فأنت طالق، وهنا لا يقع الطلاق، ويجب على الزوج دفع كفارة اليمين إذا ذهبت الزوجة إلى السوق، أما النوع الثاني فيقصد به إيقاع الطلاق بتحقق الشرط، مثل أن يقول الزوج إذا فعلت كذا فأنت طالق، وهنا يقع الطلاق لأنه كان مضمرًا بنية الزوج، بعكس النوع الأول الذي لا ينوي فيه الزوج الطلاق وإنما المنع أو الحث وبالتالي فإنه لا يقع.


أنواع الطلاق

فيما يأتي عرض لأنواع الطلاق:[٨][٩]


1. الطلاق الرجعي

الطلاق الرجعي هو الطلاق للمرة الأولى أو الثانية قبل انقضاء فترة العدة، وفيه يحق للرجل إرجاع زوجته خلال فترة العدة دون عقد جديد ولا مهر جديد ولا يشترط رضاها؛ لأن الطلاق كان برغبة الرجل.


2. الطلاق البائن بينونة صغرى

ويكون الطلاق بائنًا بينونة صغرى في حالات عديدة، أشهرها الطلاق قبل الدخول، والطلاق الأول أو الثاني بعد انتهاء عدة الزوجة، والخلع الذي تطلبه المرأة، والطلاق الذي يوقعه القاضي لرفع الضرر عن المرأة، ويحق فيه للرجل إرجاع زوجته ولكن بمهر وعقد جديدين.


3. الطلاق البائن بينونة كبرى

وهو الطلاق الذي يقع للمرة الثالثة، ولا يجوز فيه إرجاع الزوجة إلا بعد زوجها من رجل آخر دون اتفاق، وإذا طلقها هذا الرجل دون اتفاق مع الزوج السابق أو مات عنها، فيجوز لزوجها إرجاعها ولكن بمهر وعقد جديدين.


آداب الطلاق

إن إنهاء رباط الزوجية بين الرجل والمرأة لا يعني أبدًا أن ينسى كل منهما العشرة التي كانت بينهما، وعليه يجب عليهما التحلي بآداب الطلاق المذكورة أدناه:[١٠]

  1. تلطف الرجل المطلق بزوجته المطلقة، وإعطاؤها حقوقها المالية كاملة.
  2. عدم إفشاء أسرار بعضهما، فإما أن يكون الطلاق بإحسان، وإما أن يعودا إلى بعضهما بمعروف.


المراجع

  1. " المبحثُ الأولُ: تعريفُ الطَّلاق"، درر السنية. بتصرّف.
  2. سورة الطلاق ، آية:1
  3. مجموعة من المؤلفين، كتاب الموسوعة الفقهية الدرر السنية، صفحة 110-3. بتصرّف.
  4. "الطلاق في الإسلام"، طريق الإسلام. بتصرّف.
  5. رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1673 ، صحيح.
  6. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الدرر السنية، صفحة 111-3. بتصرّف.
  7. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الدرر السنية، صفحة 114-3. بتصرّف.
  8. "تنظيم الزواج "، الألوكة. بتصرّف.
  9. الفقه الإسلامي/أحوال الطلاق البائن بينونة صغرى:/i582&d920424&c&p1 "أنواع الطلاق"، نداء الإيمان. بتصرّف.
  10. صالح بن حميد، دروس للشيخ صالح بن حميد، صفحة 8-61. بتصرّف.