إنّ التركة في اللغة اسم مفعولٍ لفعل التَرك، وترك الشيء أي خلَّاه وخلَّفه وراءه، وأمّا في الاصطلاح الشرعيّ؛ فالتركة: هي كلّ ما يخلّفه ويتركه الإنسان بعد موته من أموالٍ وأملاكٍ وحقوقٍ،[١] وتتعلّق وترتبط بهذه التركة جملةٌ من الحقوقِ، فيما يأتي ذكرها وبيانها.


الحقوق المتعلّقة بالتركة

يُقصد بالحقوق المتعلّقة بالتركة: ما يكون فيها من حقوقٍ للغير؛ كدينٍ أو وصيَّةٍ أو ما يلزم لتجهيز الميّت الذي خلّف هذه التركة، ثمّ نصيب الورثة بعد اقتطاع الحقوق سابقة الذكر، وفيما يأتي توضيحٌ لهذه الحقوق.


تجهيز الميت

إنّ تجهيز الميّت بما يلزم من شراء كفنٍ، وأجرة من يُغسّله، وما يلزم لدفنه من نفقاتٍ، تعتبر حقوقًا متعلِّقةً بالتركة، ومن الفقهاء من يُقدّم نفقات تجهيز الميت على غيره من حقوق التركة كالحنابلة والحنفيّة في قولٍ عندهم؛ لأنّ سُترة المسلم واجبٌ في حياته وبعد مماته، ويرى المالكيّة والشافعيّة، والحنفيّة في قولٍ آخر عندهم أنّ أداء ديون الميّت مقدَّمٌ على نفقات تجهيزه.[٢]


حقوقٌ العباد المتعلّقة بالتركة

ويُقصد بها من كان على الميت، وثبت في ذمّته من حقوقٍ للآخرين؛ كأن يكون عليه دينٌ، أو قرضٌ، أو ثمنٌ لمبيعٍ ونحو ذلك، أو كان شيءٌ من أموال التركة مرهونًا للغير، فيجب سداد ذلك كلّه من التركة قبل توزيع التركة على الورثة أو التصرّف بشيءٍ منها؛ إذ إنّ حقوق العباد لا تسقط إلّا أن تنازل عنها أصحابها وسامحوا فيها، أو أن يتبرّع ورثته أو غيرهم في سدادها عنه؛ لعظم وخطورة حقوق العباد، ودليل ذلك؛ ما رواه سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- أنّه قال: (كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، إذْ أُتِيَ بجَنَازَةٍ، فَقالوا: صَلِّ عَلَيْهَا، فَقالَ: هلْ عليه دَيْنٌ؟ قالوا: لَا، قالَ: فَهلْ تَرَكَ شيئًا؟ قالوا: لَا، فَصَلَّى عليه، ثُمَّ أُتِيَ بجَنَازَةٍ أُخْرَى، فَقالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، صَلِّ عَلَيْهَا، قالَ: هلْ عليه دَيْنٌ؟ قيلَ: نَعَمْ، قالَ: فَهلْ تَرَكَ شيئًا؟ قالوا: ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ، فَصَلَّى عَلَيْهَا، ثُمَّ أُتِيَ بالثَّالِثَةِ، فَقالوا: صَلِّ عَلَيْهَا، قالَ: هلْ تَرَكَ شيئًا؟ قالوا: لَا، قالَ: فَهلْ عليه دَيْنٌ؟ قالوا: ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ، قالَ: صَلُّوا علَى صَاحِبِكُمْ، قالَ أَبُو قَتَادَةَ صَلِّ عليه يا رَسولَ اللَّهِ وَعَلَيَّ دَيْنُهُ، فَصَلَّى عليه).[٣][٢]


حقوق الله المتعلِّقة بالتركة

ويُقصد بها ما وجب في مال الميّت من حقٍّ بسبب عبادةٍ؛ كالزكاة، أو لنذرٍ ألزم به الميت نفسه قبل وفاته، أو لأداء كفّارات واجبةٍ عليه؛ لقيام الميّت في حياته بما يوجب الكفّارة؛ فإن توفّي المسلم، ولم يكن قد أدّى زكاة ماله المستحقّ للحياة، أو كان عليه نذرٌ أو كفّارةٌ؛ فلا بدّ أن تُقتطع وتؤخذ من التركة قبل تقسيمها.[٢]


الوصيّة

إن كان المسلم قد أوصى قبل موته بجزءٍ من ماله في حدود ثلث تركته أو أقلّ لغير الورثة؛ فيجب أن تُنفّذ الوصيَّة قبل توزيع التركة، ودليل ذلك قول الله -تعالى- في عددٍ من آيات تقسيم أنصبة الورثة، ومنه قوله تعالى: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ).[٤][٥]


الإرث

بعد تجهيز الميّت من أموال تركته، وأداء ما عليه من حقوقٍ لله -تعالى- أو للعباد، وتنفيذ الوصيَّة إن كان للميّت وصيَّةٌ في حدود الثلث أو أقل؛ يأتي دور توزيع ما تبقى من أموال التركة، ويسمّى: ميراثًا أو إرثًا، بإعطاء كلّ صاحب حقٍّ حقّه من الميراث، ويوزع الإرث على من تربطه بالميّت علاقة نسبٍ أو مصاهرةٍ، وفق الأنصبة التي حدّدها الشرع، ومن الوارثين من يرث بالفرض، ويسمّون أصحاب الفرائض، ويأخذون نصيبًا محدَّدًا من الميراث؛ كالنصف أو الربع، أو السدس، ومن الوارثين من يرث بالتعصيب؛ أي يكون نصيبهم غير مقدَّارٍ، إنّما يأخذون ما يتبقّى من الميراث بعد إعطاء أصحاب الفروض.[٦]

المراجع

  1. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 206. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت عبد الله الطيار، الفقه الميسر، صفحة 227. بتصرّف.
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن سلمة بن الأكوع، الصفحة أو الرقم:2289، حديث صحيح.
  4. سورة النساء، آية:12
  5. أحمد بن يوسف الأهدل، إعانة الطالب في بداية علم الفرائض، صفحة 20. بتصرّف.
  6. محمد بن إبراهيم التويجري، موسوعة الفقه الإسلامي، صفحة 393-395. بتصرّف.