إنّ الأمانة خُلقٌ من الأخلاق العظيمة التي حثّ عليها الإسلام، ومجالها لا يقتصر على حفظ الودائع والأسرار وردّ الحقوق، بل إنّها تشمل أداء الإنسان لواجباته المكلّف بها بإخلاصٍ وإتقانٍ، دون تفريطٍ أو تقصيرٍ، وفيما يأتي حديثٌ عن مجالٍ من مجالات الأمانة، وهو: الأمانة في العمل.


الأمانة في العمل

تعريف الأمانة

تأتي الأمانة في اللغة من الجذر أمن، وهي ضد الخيانة، والأمن سكون القلب وطمأنينته وعدم الخوف، فأمن الناس الرجل أو الشيء؛ أي لم يخافوا منه أو من غدره، والأمين هو الحافظ للشيء، وأمّا في الاصطلاح؛ فقد تعدّدت تعريفات العلماء للأمانة وتقاربت، ويمكن إجمال تعريفاتهم بقول إنّ الأمانة هي: خلقٌ في النفس، يدفعها إلى العفّة عن العدوان على ما لا يحقّ لها، وإن كانت قادرةً على العدوان عليه، ويلزمها أداء ما عليها من واجباتٍ بأحسن أداءٍ، وبناءً على معنى الأمانة؛ فإنّها تدخل في كلّ الحقوق والواجبات التي يجب على المسلم أن يؤدّيها، سواء كانت حقوقًا لله -تعالى- أو للعباد، في العمل أو الأسرة أو غيرها.[١]


صور الأمانة في العمل

إنّ للأمانة في العمل صورًا وأشكالًا تتمثّل بها، وفيما يأتي ذكرها وبيانها:[٢][٣]

  • الجد والاجتهاد في العمل: فإنّ الأمانة في العمل تقتضي من العامل أن يؤدّي عمله بإخلاصٍ وإتقانٍ تامٍّ، وأن يجدّ فيه ويبتعد عن الكسل والتلاعب وإضاعة وقت العمل.
  • تجنّب الرشوة وأكل المال الحرام: فإنّ الأمانة تقتضي أن يعفّ العامل عن استعمال وظيفته وعمله في أكل المال الحرام، أو أخذ رشوةٍ لقاء تأديته له؛ فالرشوة من أعظم المحرمات، ولها تأثيرٌ عظيمٌ على إفساد العمل وبيئته.
  • الحفاظ على مرافق العمل وممتلكاته: إنّ من الأمانة أن يُحافظ العامل على مرافق العمل وممتلكاته، وأن يراعي استعمالها بحرصٍ كما يحرص على ممتلكاته الخاصَّة؛ فيتجنّب الإهمال والتقصير في استعمالها.
  • أداء العمل في وقته: فمن الأمانة التي يُسأل عنها العامل؛ أداؤه للعمل في وقته المخصّص له دون مماطلة أو تسويفٍ.


الأمانة في العمل وذكرها في القرآن والسنة

جاءت نصوصٌ شرعيَّةٌ من القرآن الكريم والسنّة النبويَّة على ذكر الأمانة في العمل، والحثّ عليها، وأنّها صفةٌ لا بدّ من توافرها في كلّ عاملٍ، وفيما يأتي ذكر عددٍ منها:[٣]

  • قول الله -تعالى-: (إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّـهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا).[٤]
  • قول الله -تعالى-: (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ).[٥]
  • قول الله -تعالى-: (قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ).[٦]
  • قول النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (الخَازِنُ الأمِينُ، الذي يُنْفِقُ -وَرُبَّما قالَ: الذي يُعْطِي- ما أُمِرَ به كَامِلًا مُوَفَّرًا، طَيِّبًا نَفْسُهُ، إلى الذي أُمِرَ به أَحَدُ المُتَصَدِّقَيْنِ).[٧]


ثمرات الأمانة وفوائدها

إنّ للالتزام بخلق الأمانة في العمل وفي كلّ مجالٍ ثمراتٌ وفوائد، تعود على الأمين وعلى مجتمعه، وآتيًا ذكرٌ لجملةٍ من هذه الثمرات والفوائد:[٨]

  • في التزام الأمانة حفظٌ للدين والأموال والأعراض والأوقات والمعارف والعلوم والحكم والقضاء وغيرها.
  • محبّة الله -تعالى- والناس للإنسان الأمين، وثقتهم فيه.
  • انتشار الخير والبركة في المجتمع الذي تفشو فيه الأمانة.


المراجع

  1. مجموعة من المؤلفين، نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم، صفحة 507-509. بتصرّف.
  2. عبد المحسن العباد، كيف يؤدي الموظف الأمانة، صفحة 9-13. بتصرّف.
  3. ^ أ ب عبد الله بن عبده نعمان العواضي (27/9/2018)، "الأمانة في العمل والوظيفة"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 28/9/2022. بتصرّف.
  4. سورة النساء، آية:58
  5. سورة القصص، آية:26
  6. سورة النمل، آية:39
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي موسى الأشعري، الصفحة أو الرقم:2319، حديث صحيح.
  8. الدرر السنية، موسوعة الأخلاق الإسلامية، صفحة 87. بتصرّف.