تعد الأمانة من الأخلاق الحميدة التي اتصف بها الأنبياء والمؤمنون، فالأمانة من أعظم الأخلاق التي أمرنا الله سبحانه وتعالى بالتحلي بها، بينما تعد الخيانة من الأمور المنهي عنها، ولقد قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: "إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا"،[١] ولقد حذرنا الله سبحانه تعالى من إضاعة الأمانة؛ لأن الخيانة صفة من صفات المنافقين، والأمانة لها شأن عظيم في الإسلام، لدرجة أنها دليل على الإيمان، فالله سبحانه وتعالى لا يقبل عمل الخائنين، كما أن الخيانة هي إثبات للنفاق، وفي مقالنا هذا سنتحدث عن إضاعة الأمانة بشيء من التفصيل.


تعريف الأمانة

يمكن تعريف الأمانة بأنها حفظ الشيء المودع إلى حين رده إلى صاحبه، ففي حال استأمننا أحد ما على شيء مما يملكه فإن الأمانة تقتضي الحفاظ على هذا الشيء، وفي حال عدم حفظها عن قصد يكون ذلك إضاعة للأمانة.[٢]


مظاهر إضاعة الأمانة

لإضاعة الأمانة مظاهر كثيرة، وتشترك أغلب تلك المظاهر بأنها تعد من خوارم المروءة، وفيما يلي تفصيل لها:[٣]

  1. خيانة الله تعالى ورسوله: وتكون خيانة الله تعالى ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم بارتكاب المعاصي، والتعدي على الحدود الشرعية، وترك الالتزام بالفرائض التي كتبها الله سبحانه وتعالى على عباده.
  2. خيانة الوطن: فالوطن هو أمانة في أعناق المواطنين، وإن إضاعة هذه الأمانة تتمثل بالتآمر مع أعدائه ومن يخططون لإفساده ونهب مقدّراته.
  3. الخيانة في العمليات التجارية: ويكون ذلك بالغش وعدم تحري الصدق في عمليات البيع والشراء، وهذا يؤدي إلى الكسب غير المشروع.
  4. خيانة الودائع: وتكون إضاعة الأمانة في الوديعة من خلال عدم ردها أو عدم الحفاظ عليها، مما يؤدي إلى تلفها، ويتسبب بعدم ردها عند طلبها من صاحبها أو إنكارها.
  5. خيانة الأهل: ويظهر ذلك من خلال إهمال حاجات الأهل ومتطلباتهم، وعدم تقديم النصح والإرشاد لهم.
  6. خيانة الأعراض: إن حفظ الأعراض أمانة، وإن إضاعة هذه الأمانة تتمثل بالتعدي على الأعراض والخوض فيها وإفشاء الأسرار.
  7. خيانة المجالس: ويكون ذلك من خلال إفشاء أسرار المجالس، وعدم احترام الخصوصيات.
  8. خيانة العلم: وتتمثل إضاعة الأمانة في حالة خيانة العلم بتحريف العلوم ونشر معلومات خاطئة بهدف التضليل.


أسباب إضاعة الأمانة

توجد الكثير من الأسباب التي تؤدي إلى إضاعة الأمانة وخيانتها، وإن معظم هذه الأسباب تتمثل بأخلاق مذمومة في المجتمع الإسلامي وغير مقبولة بتاتًا، ولا تعد هذه الأسباب مبررًا لإضاعة الأمانة، ومن هذه الأسباب ما يلي:[٤][٥]

  1. ضعف الوازع الديني لدى الكثير من الناس.
  2. عدم التفكير بالعاقبة المترتبة على إضاعة الأمانة.
  3. دافع الانتقام من شخص معين له علاقة بالأمانة، ومن الأمثلة على ذلك الانتقام من صاحب العمل بعدم أداء الأعمال بشكل جيد.
  4. الجهل بعظم الأمانة، وعدم معرفة كيفية الحفاظ عليها.
  5. الحسد والبغضاء.
  6. الطمع في مال الغير.


عقوبة إضاعة الأمانة

من المعروف أن إضاعة الأمانة أمر مذموم وخاطئ، وكل أمر خاطئ له عقوبة، وفيما يأتي تفصيل للعقوبة التي ينالها من يضيع الأمانة:[٦]


1. الدخول مع المنافقين

إن من يخون الأمانة يعد منافقًا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "آيَةُ المُنافِقِ ثَلاثٌ: إذا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذا وعَدَ أخْلَفَ، وإذا اؤْتُمِنَ خانَ"،[٧] ويتبين من هذا الحديث وجود نوعين من النفاق؛ الأول له علاقة بالدين، وذلك بإظهار الإسلام وإخفاء الكفر، أما النفاق الثاني فهو نفاق العمل، وذلك بأن يتشبه المسلم بأخلاق المنافقين، وهذا النوع من النفاق لا يخرج صاحبه عن دينه، ولكنه نوع من أنواع الكبائر.


2. استحقاق الذم

يكون فعل الخائن والمضيع للأمانة مذمومًا، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ من الخائن للأمانة والمضيع لها، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهمَّ إنِّي أعوذُ بك من الجوعِ، فإنَّه بئْسَ الضجيعُ، وأعوذُ بك من الخيانةِ فإنَّها بئستُ البِطانةُ"[٨]، وفي هذا الحديث استعاذ الرسول صلى الله عليه وسلم من عدة أمور، من ضمنها الخيانة، والمقصود بالخيانة هنا هو نقض العهد والأمانة، سواء أكانت في العبادات أم في المعاملات، وتعد الخيانة من أسوأ الأخلاق التي قد تكون في الإنسان؛ فالخيانة والجوع إذا أصابا عبدًا فقد يحوّلانه إلى شخص ضعيف.


3. بعد الناس عنه

من أشد العقوبات التي تلحق بمن يضيع الأمانة هي استحقار الناس له، إذ إن هذه العقوبة تنفذ تنفيذًا شبه جماعي من المجتمع بحق الخائن، خصوصًا في المجتمع الإسلامي المحافظ الذي ينبذ السلوك الخاطئ، وإن تذكر هذه العقوبة قد يمثل رادعًا لمن تسول له نفسه بالخيانة وإضاعة الأمانة.


المراجع

  1. سورة النساء، آية:58
  2. سعيد بن مسفر، دروس للشيخ سعيد بن مسفر، صفحة 24-3. بتصرّف.
  3. " الخيانة في الإسلام"، الألوكة. بتصرّف.
  4. " خطورة التفريط في الأمانة"، صيد الفوائد. بتصرّف.
  5. " الخيانة وآثارها السلبية على الفرد والمجتمع"، الألوكة. بتصرّف.
  6. " الخيانة وآثارها السلبية على الفرد والمجتمع"، الألوكة. بتصرّف.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم:6095 .
  8. رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم:1541، صحيح.